حديث جابر بن سمرة السوائي4
مسند احمد
حدثنا حماد بن خالد، حدثنا ابن أبي ذئب، عن المهاجر بن مسمار، عن عامر بن سعد قال: سألت جابر بن سمرة عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزال الدين قائما، حتى يكون اثنا عشر خليفة من قريش، ثم يخرج كذابون بين يدي الساعة، ثم تخرج عصابة من المسلمين، فيستخرجون كنز الأبيض، كسرى، وآل كسرى، وإذا أعطى الله أحدكم خيرا، فليبدأ بنفسه، وأهله، وأنا فرطكم على الحوض "
الكَوثرُ والحوْضُ من فَضْلِ اللهِ الذي أعطاهُ لنَبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ القيامةِ؛ زيادةً في إكرامِهِ ولُطفِه به وبأُمَّتِه، وسيشرَبُ منه المُؤمِنون الموحِّدون باللهِ عزَّ وجَلَّ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن مَشْهَدٍ مِن مَشاهِدِ يوْمَ القيامةِ، فيَقولُ: «أنا فَرَطُكم على الحَوْضِ»، أي: أتَقدَّمُكم وأسبِقُكم إليه، فيكونُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على حَوْضِه، ويَأْتِيه المُؤمِنون يَشْرَبون منه، ومَن شَرِب منه لا يَظْمَأُ -وهو العَطَشُ- بعْدَ ذلك أبدًا، ثُمَّ يَأتي أُنَاسٌ يَعرِفُهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويَعرِفونه، فيُبعَدُون عن الحَوْضِ ويُمنَعون مِن الوُصولِ إليه، فيَتَساءَلُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن سَببِ مَنْعِهم، فيُقاُل له: إنَّهم غيَّروا وبَدَّلوا بعْدك، فيَقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حِينئذٍ: «سُحْقًا سُحْقًا» أي: بُعْدًا بُعْدًا لِمَن غيَّر وبَدَّل بعْدي، وحاصِلُ ما حُمِل عليه حالُ المَذكُورين: أنَّهم إنْ كانوا مِمَّن ارتدَّ عن الإسلامِ؛ فلا إشكالَ في تَبرِّي النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منْهم وإبعادِهم، وإنْ كانوا مِمَّن لم يَرْتَدَّ لكنْ أَحْدَثَ مَعصيةً كَبيرةً مِن أعمالِ البَدَنِ أو بِدْعةً مِن اعْتِقاد القلْبِ، فأُجِيبَ بأنَّه يَحتمِلُ أنْ يكونَ أعْرَضَ عنْهم ولم يَشْفَعْ لهم اتِّباعًا لأمرِ اللهِ فيهم حتَّى يُعاقِبَهم على جِنايَتِهم، ولا مانعَ مِن دُخولِهم في عُمومِ شَفاعَتِه لأهْلِ الكبائرِ مِن أُمَّتِه، فيَخرُجون عندَ إخراجِ الموحِّدين مِن النَّارِ.
وفي هذا تَهديدٌ شَديدٌ لكلِّ مَن أحْدَث في الدِّينِ ما لا يَرضاهُ اللهُ بأنْ يكونَ مِن المطْرودِينَ عن الحوْضِ، ومِن أشدِّ هؤلاءِ المُحْدِثينَ في الدِّينِ: مَن خالَفَ جَماعةَ المُسلِمينَ كالخَوارجِ والرَّوافضِ وأصْحابِ الأهواءِ، وكذلك الظَّلَمةُ المُسرِفونَ في الجَورِ وطَمْسِ الحقِّ، والمُعلِنون بالكبائِرِ؛ فكلُّ هؤلاء يُخافُ عليهم أنْ يَكونوا ممَّن عُنُوا بهذا الحديثِ.
وفي الحَديثِ: خَطورةُ الابتِداعِ في الدِّينِ وتَبديلِه، ويَدخُلُ في هذا جَميعُ أهلِ البِدعِ، وكذلك أهلُ الظُّلمِ والجَورِ؛ فكلُّهم مُحْدِثٌ مُبدِّلٌ.
وفيه: إثباتُ حوْضِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الآخِرَةِ.