حديث رجل من أهل البادية
مسند احمد
حدثنا عفان، حدثنا عبد الوارث، حدثني عبد الله بن سوادة القشيري، قال: حدثني رجل من أهل البادية، عن أبيه وكان أبوه أسيرا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تقبل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب "
لصَّلاةُ عِبادةٌ تَوقيفيَّةٌ، وقد عَلَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أركانَها وكَيفيَّتَها، وهَيئَتَها، وكُلَّ ما يَتعلَّقُ بها قَولًا وفِعلًا.
وفي هذا الحَديثِ يَروي أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عَنه أن النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخبَرَ أنَّ مَن صلَّى صَلاةً لم يَقرَأ فيها بأمِّ القُرآنِ -وهي فاتِحةُ الكِتابِ- فهي صَلاةٌ «خِدَاجٌ»، أي: ناقِصةٌ غيرُ تامةٍ، وكرَّر ذلك ثَلاثَ مرَّاتٍ؛ تأكيدًا على أهَمِّيَّتِها، فقِراءةُ الفاتحةِ للإمامِ والمنفردِ رُكنٌ من أركانِ الصَّلاةِ، فسَأل بَعضُ الحاضِرين أبا هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه فقال: «إنَّا نكونُ وَراءَ الإمامِ»؛ فكيف تكونُ القراءةُ؟ فأجابَه أبو هُرَيرَة رَضيَ اللهُ عنه: «اقرَأْ بها في نفْسِك» سِرًّا دونَ رفعِ الصَّوتِ ودونَ إسماعِ غيرِك بها؛ ثم أخبَرَ أنَّه سَمِع رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: «قال اللهُ تَعالَى» في الحديثِ القُدسيِّ: «قسَمتُ الصَّلاةَ» أي: سُورةَ الفاتحةِ، وسُمِّيت صلاةً؛ لأنَّ الصَّلاةَ لا تَصِحُّ إلَّا بها، «بيْني وبيْن عَبْدي نِصفينِ»، لي نِصفُها، وله نِصفُها، فنِصفُها الأوَّلُ: حمدٌ وثَناءٌ علَيَّ، أجزيه عليه خيرَ الجزاءِ، ونصفُها الثَّاني: تَضرُّعٌ ودُعاءٌ، أستجيبُ له وأُعطيه ما سَألَ؛ فإذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، قال اللهُ: «حَمِدني عَبْدي» والإخبارُ بذلك دَليلُ قَبولِه تَعالَى لتَحميدِ عَبدِه إيَّاه، والظاهرُ أنَّه يقولُ هذا لمَلائكتِه؛ تَنويهًا بشَأنِ العبدِ، وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، قال الله: «أثْنى علَيَّ عَبْدي» حيث اعتَرَف لي بعُمومِ الإنعامِ على خَلقي، والثَّناءُ: المدحُ، وإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، قال اللهُ: مجَّدَني عَبدي، من المَجدِ، وهو الشَّرَفُ الواسعُ، وهو أبلَغُ من الحَمدِ والثَّناءِ، فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال اللهُ: «هذا بيْني وبيْن عَبْدي»؛ فالنِّصفُ الأوَّلُ اعتِرافٌ بالأُلوهيَّةِ، واستِجابةٌ بالعِبادةِ، والنِّصفُ الثَّاني: دُعاءٌ بالاستعانةِ، «ولعَبْدي ما سَأَل» من الاسِتعانةِ، فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، قال الله: «هذا لِعَبْدِي» أي: هذا تضرُّعٌ ودُعاءٌ من عَبدي، «ولعَبْدي ما سَألَ» وقد أجبتُ دُعاءَه.
والرَّاجِحُ أنَّه لا تجبُ قراءةُ الفاتحةِ على المأمومِ في الصَّلاةِ الجَهريَّةِ، وأنَّ على المأمومِ أن يَستَمِعَ لقِراءةِ إمامِه فيما زادَ على الفاتحةِ؛ لقَولِه تَعالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204]، وعند النَّسائيِّ عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عَنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إنَّما جُعِل الإمامُ ليُؤتَمَّ به؛ فإذا كَبَّر فكَبِّروا، وإذا قَرَأ فأَنصِتُوا».
وفي الحَديثِ: إثباتُ صِفةِ الكَلامِ لله عزَّ وجَلَّ على الوَجه الذي يَليقُ به سُبحانَه.