حديث زر بن حبيش، عن أبي بن كعب2
مسند احمد
حدثنا محمد بن عمرو بن العباس الباهلي، حدثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي عثمان، عن أبي،: أن رجلا اعتزى فأعضه أبي بهن أبيه. فقالوا: ما كنت فحاشا قال: "إنا أمرنا بذلك
لَمَّا جاءَ الإسلامُ قضَى على كُلِّ سُننِ الجاهليَّةِ ودَعاويها الباطِلةِ، ومِنها العَصبيَّةُ القَبلِيَّةُ؛ فقدْ َنَهَى الإسلامُ عَنِ التَّعصُّبِ لِلشَّخصِ أوِ القبيلةِ أوِ البَلَدِ، وإنَّما جعَلَ الولاءَ لِلمُسلِمينَ جميعًا، وجعلَ البَراءَ مِنَ المُشرِكينَ جَميعًا.
ففي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إذا رَأيْتُمُ الرَّجُلَ يَتَعزَّى"، أي: انتَسَبَ "بعَزاءِ الجاهِليَّةِ"، والمَعْنى أنَّه يَنسُبُ نَفسَهُ لأهْلِها وافتَخَرَ بآبائِهِ وأجْدادِهِ من أهْلِ الجاهِليَّةِ، "فأعِضُّوه بهَنِ"، أي: اشتُموه، وفي رِوايةٍ لأحمَدَ: "فأَعِضُّوهُ بِهَنِ أبيهِ"، والعَضُّ أخْذُ الشَّيءِ بالأسْنانِ أو باللِّسانِ، والهَنُ -بالتَّخْفيفِ والتَّشْديدِ- كِنايةٌ عن الفَرْجِ، أي: سُبُّوهُ وقُولوا له: اعْضُضْ بذَكَرِكَ أو ذَكَرِ أبيكَ أو أيْرِهِ أو فَرْجِهِ هكذا صَراحةً، "ولا تَكْنُوا"، أي: لا تَكْنُوا بذِكْرِ الهَنِ عن الأيْرِ، بل صَرِّحوا باسْمِ العُضوِ الذُّكوريِّ تَأديبًا له وتَنْكيلًا؛ فَإِنَّهُ جَديرٌ بأنْ يُستَهانَ به، ويُخاطَبَ بما فيه قُبحٌ وهُجْنةٌ رَدْعًا له عن فِعلِهِ الشَّنيعِ. وقيلَ: مَعْناهُ مَنِ انتَسَبَ وانْتَمَى إلى الجاهِليَّةِ بإحْياءِ سُنَّةِ أهْلِها، وابْتِداعِ سُنَّتِهِم في الشَّتْمِ واللَّعْنِ والتَّعْييرِ، ومُواجَهَتِكُم بالفَحْشاءِ والتَّكبُّرِ، فاذْكُروا له قَبائِحَهُ أو قَبائِحَ أبيهِ من عِبادةِ الأصْنامِ، والزِّنا، وشُربِ الخَمْرِ، ونَحوِ ذلك ممَّا كان يُعيَّرُ به مِن لُؤمٍ ورَذالةٍ صَريحًا لا كِنايةً؛ كي يَرتَدِعَ عن التَّعرُّضِ لأعْراضِ النَّاسِ. وخُصَّ الأبُ؛ لأنَّ هَتْكَ عَوْرتِهِ أقبَحُ.
وقيلَ: مَعْنى الاعتِزاءِ هُنا إنَّما هو دَعْوى القائِلِ: يا آلَ فُلانٍ: أيْ تَعْريضًا بنَجْدَتِهِم وتَذْكيرًا بشَجاعَتِهِم. وهذا القَولُ لا يُقالُ بيْنَ النَّاسِ في غَيرِ الحَرْبِ؛ لأنَّه يُثيرُ الفِتْنةَ بيْنَهم ويُؤلِّبُهم على بَعضِهم، ولا بَأسَ بذِكرِ القَبائِلِ في الحَرْبِ؛ ولا يَكونُ من عَزاءِ الجاهِليَّةِ المَنْهيِّ عنه هُنا؛ لأنَّ المُصْطَفى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمَرَ في وَقْعةِ هَوازِنَ العبَّاسَ أنْ يُنادِيَ بأعْلى صَوتِهِ: أين أصْحابُ الشَّجَرةِ، يا بَني الحارِثِ؟ أين الخَزْرَجُ يا كذا يا كذا؟ ونحوُ ذلك، كما في صَحيحِ مُسلِمٍ؛ فهو مَنهيٌّ عنه إلَّا في هذا المَوضِعِ. وأيضًا التَّصْريحُ باسْمِ الأعْضاءِ التي هي عَوْراتٌ، وذِكرُها عِندَ الحاجةِ إلى ذلك ليس من الفُحشِ، وليس قائِلُهُ خارِجًا عن حَدِّ العَدالةِ والمُروءةِ
وفي الحَديثِ: تَحْذيرٌ وزَجْرٌ عن التَّفاخُرِ بأُمورِ الجاهِليَّةِ.
وفيه: أنَّ المُسلِمَ قد يُضطَرُّ للرَّدِّ بالقَولِ الشَّنيعِ لِمَنْ لا يَرتَدِعُ إلَّا به، ولكِنَّه لا يَبدَأُ به.
وفيه: التَّحْذيرُ مِن كُلِّ عَمَلٍ فيه تَنفيرُ النَّاسِ، وإثارةُ الفِتَنِ بيْنَهم .