مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 120
مسند احمد
حدثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر، قال: «الظهر كاسمها، والعصر بيضاء حية، والمغرب كاسمها، وكنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم نأتي منازلنا، وهي على قدر ميل، فنرى مواقع النبل، وكان يعجل العشاء ويؤخر، والفجر كاسمها، وكان يغلس بها»
كان الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم يُعلِّمون مَن بعدَهم سُنَّةَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومِن ذلك تَعْليمُهم أَوقاتَ الصَّلاةِ المَكْتوبةِ
وفي هذا الحديثِ يُرشِدُ جابِرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما إلى مَواقيتِ الصَّلاةِ المَكتوبةِ؛ فيُخبِرُ أنَّ الظُّهْرَ كاسْمِها، أي: أنَّ وَقْتَها وَقْتُ الظَّهيرةِ -وهي: شِدَّةُ الحَرِّ ونِصفُ النَّهارِ-، والعَصْرَ بَيضاءُ حيَّةٌ، بمعنى: حين تَكونُ الشَّمسُ مُرتفِعة ًوقُرْصُها نقيًّا لمْ تُخالِطْها صُفرةٌ، وهو أوَّلُ وَقْتِ العَصْرِ، والمَغرِبَ وَقْتُها بعدَ غُروبِ الشَّمسِ، ثُمَّ أَخبَرَ جابِرٌ رَضيَ اللهِ عنه أنَّهم كانوا يُصلُّون المَغرِبَ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثُمَّ يَرجِعون إلى مَنازِلِهم -وتَبعُدُ عن المَسجِدِ بمِقْدارِ مِيلٍ-، "فنَرى مَواقِعَ النَّبْلِ"، يعني: مَسقَطَ سَهْمِه، ومَعناها: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصلِّي المَغرِبَ في أوَّلِ الوَقتِ بمُجرَّدِ أنْ تَغرُبَ الشَّمسُ؛ حتى إذا أدَّيْناها معه نَنْصرِفُ وإذا رَمى أَحدٌ مِنَّا نَبْلَه مِن قَوْسِه يُبصِرُ مَوقِعَه؛ لوُجودِ الضَّوءِ. وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَحيانًا يُصلِّي العِشاءَ أَوَّلَ وَقْتِها، وأَحيانًا يُؤخِّرُها حتى يَصِلَ بها إلى نِصفِ اللَّيلِ، كما في الصَّحيحَينِ مِن حديثِ أَنَسِ بنِ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه. ثُمَّ قالَ جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه: "والفَجْرُ كاسْمِها"؛ أرادَ أنَّه كان يُصلِّيها عندَ انفِجارِ الصُّبحِ، وهو انفِلاقُه وانكِشافُه عندَ آخِرِ اللَّيلِ؛ لأنَّ الفَجْرَ في آخِرِ اللَّيلِ كالشَّفَقِ في أَوَّلِه، فكما أنَّه اسمٌ لآخِرِ اللَّيلِ فكذلك كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُؤخِّرُ صَلاةَ الفَجْرِ إلى آخِرِ وَقتِ الفَجْرِ، يَعني: وَقْتَ الإسْفارِ، وأيضًا كان يُغلِّسُ بها، وهو أنْ يُصلِّيَها في أَوَّلِ وَقْتِها والظَّلامُ قائِمٌ؛ وهذا كُلُّه يُبيِّنُ سَعةَ الأَمرِ في وَقْتِ الصَّلَواتِ، فقد كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصلِّي المَكتوباتِ في أَوَّلِ وَقْتِها، وصلَّى مَرَّاتٍ بعدَ مُضيِّ أَوَّلِ الوَقتِ؛ ليُبيِّنَ مَشروعِيَّةِ ذلك، وإنْ كان الأَفْضَلُ أَداءَها في أَوَّلِ وَقْتِها؛ لأنَّه كان الأَكثرَ مِن فِعلِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ