حديث زيد بن أرقم 20
مستند احمد
حدثنا حسين بن محمد، وأبو نعيم المعنى، قالا: حدثنا [ص:56] فطر، عن أبي الطفيل، قال: جمع علي رضي الله عنه الناس في الرحبة، ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم ما سمع، لما قام فقام ثلاثون من الناس، وقال أبو نعيم: فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذه بيده، فقال للناس: «أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» قالوا: نعم يا رسول الله، قال: «من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه» قال: فخرجت وكأن في نفسي شيئا، فلقيت زيد بن أرقم فقلت له: إني سمعت عليا رضي الله عنه يقول: كذا وكذا، قال: فما تنكر؟ قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له
لعَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه مَناقِبُ كَثيرةٌ؛ فهو مِن آلِ بَيتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وزَوجُ بِنتِه، وأحَدُ الخُلفاءِ الرَّاشِدينَ، وهذا الحَديثُ فيه بَيانٌ لبَعضِ مَناقبِه؛
فقدْ رَوى أبو الطُّفَيلِ عامرُ بنُ واثِلةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه جمَعَ النَّاسَ في الرَّحَبةِ -وهي المَكانُ الواسِعُ- ثمَّ حلَفَ باللهِ أنْ يَقومَ كلُّ امرئٍ مُسلمٍ سَمِعَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ «يومَ غَديرِ خُمٍّ»، وهو بِئرٌ يقَعُ في مُنتَصَفِ المَسافةِ بيْن مكَّةَ المُكرَّمةِ والمَدينةِ المُنوَّرةِ، وخُمٌّ: اسمٌ لِغَيْضةٍ -مُجتمَعُ الشَّجرِ في مَغيضِ ماءٍ يَجتمِعُ فيه الماءُ فيَنبُتُ فيه الشَّجرُ- على ثَلاثةِ أمْيالٍ مِن الجُحْفةِ، عِندَها غَديرٌ مَشهورٌ يُضافُ إلى الغَيْضةِ، فيُقالُ: غَديرُ خُمٍّ، ويقَعُ الآنَ شَرْقَ رابِغَ، فلمَّا طلَبَ مِن النَّاسِ ذلك، وشدَّدَ عليهم، وأقسَمَ عليهم باللهِ، قام ثَلاثونَ مِن النَّاسِ، أو قام ناسٌ كَثيرونَ، فشَهِدوا أنَّهم سَمِعوا ما قاله رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حقِّ عَلِيٍّ رضِيَ اللهُ عنه في ذلك، وقدْ وقَعَت تلك الحادثةُ في السَّنةِ العاشِرةِ منَ الهِجرةِ حالَ عَودَتِهم مِن حَجَّةِ الوَداعِ، حيث أخَذ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيَدِ عَلِيٍّ رَضيَ اللهُ عنه أمامَ النَّاسِ، وسَأَلَ أصْحابَه رَضيَ اللهُ عنهم: «أتَعلَمونَ أنِّي أوْلى بالمؤمِنينَ من أنفُسِهم؟» وهذا استِفْهامٌ تَقْريريٌّ بأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَوْلى بالمؤمِنينَ وبالحُكمِ فيهم مِن أنفُسِهم، وقيلَ: مَعْناه: ألَسْتُ أحَقَّ بالمَحبَّةِ والتَّوقيرِ والإخْلاصِ بمَنزِلةِ الأبِ للأولادِ؟ كما يُشيرُ إليه قولُه تعالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6]، فلَمَّا أقَرُّوا للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بذلك، قال لهمْ: «مَن كُنتُ مَوْلاهُ فهذا مَوْلاه»، يُشيرُ لعَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه، «اللَّهمَّ والِ مَن والَاه، وعادِ مَن عاداهُ»، ومَعْنى ذلك: أنَّ عَليًّا رَضيَ اللهُ عنه مَحبوبُ مَن أنا مَحبوبُه، ويَدُلُّ على هذا المَعنى قولُه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: «اللَّهمَّ والِ مَن والَاه»، أي: أحِبَّ مَن أحَبَّه، وبقَرينةِ: «اللَّهمَّ عادِ مَن عاداهُ»، والمَوْلى يُطلَقُ على النَّاصِرِ والمُعينِ، وعلى هذا فالحَديثُ ليس له تَعلُّقٌ بالخِلافةِ أصْلًا، كما زعَمَتِ الشِّيعةُ، وقدْ قيلَ: إنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لمَّا بَعَثَه إلى اليَمَنِ كثُرَتِ الشَّكاةُ عنه، وأظْهَروا بُغضَه، فأرادَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَذكُرَ اختِصاصَه به، ومَحبَّتَه إيَّاه، ويَحُثَّهم بذلك على مَحبَّتِه ومُوالاتِه، وتَركِ مُعاداتِه
ثمَّ خرَجَ أبو الطُّفَيلِ رَضيَ اللهُ عنه مِن هذا المَوقِفِ وكأنَّ في نفْسِه شَيئًا ممَّا سَمِعه، فلَقيَ زَيدَ بنَ أرْقَمَ رَضيَ اللهُ عنه صاحبَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخبَرَه بحَديثِ عَليٍّ رَضيَ اللهُ عنه، فقال له زَيدُ بنُ أرْقَمَ رَضيَ اللهُ عنه مُستَنكِرًا مِن تَعجُّبِ أبي الطُّفَيلِ: هو أمرٌ ليس مُنكَرًا، وقدْ سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ ذلك له، فشَهِد زَيدُ بنُ أرْقَمَ أيضًا بسَماعِه للحَديثِ والواقِعةِ مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وصدَّق على حَديثِ علِيٍّ، ومَن شَهِد له مِن الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم جَميعًا
وفي الحَديثِ: الحثُّ على مَحبَّةِ عَليٍّ رَضيَ اللهُ عنه؛ لحُبِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ له