حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي بن كعب
مسند احمد
حدثنا عبد الله، (5) حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري، حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن قتادة، عن عزرة، عن الحسن العرني، (1) عن يحيى بن الجزار، عن ابن أبي ليلى، عن أبي بن كعب، في هذه الآية {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر} [السجدة: 21] قال: "المصيبات (2) والدخان قد مضيا (3) والبطشة واللزام "
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ عبدُ الرَّحمنِ بنُ أبي لَيْلى أنَّ أُبَيَّ بنَ كَعبٍ رَضيَ اللهُ عنه فَسَّر قَولَ اللهِ عزَّ وجلَّ: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ}، بأنَّ العَذابَ الأَدْنَى هو مَصائبُ الدُّنيا، أي: ما يُصيبُ الإنسانَ فيها مِن هُمومٍ وأَمراضٍ ومَتاعبَ وما يُصيبُه فيها مِن نَقصٍ في الأموالِ والأَولادِ والأَنْفُسِ والثَّمراتِ. وكذلك مِن العذابِ الأدْنى: الرُّومُ، وهو المقصودُ في قَولَه تَعالَى: {غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم: 2، 3]، ويعني أنَّ مِن الشَّدائدِ الَّتي وَقَعَت على قُرَيشٍ، وكانت لهم مِن مَصائبِ الدُّنيا، ومِن العذابِ الأدْنى في الدُّنيا؛ هو وَعدُ اللهِ بنَصرِ الرُّومِ على الفُرسِ، بعْدَ أنْ فَرِحَت قُرَيشٌ بانتصارِ الفُرسِ الكفَرةِ المجوسِ على الرُّومِ أهلِ الكتابِ، فكانوا يقَولون: إنَّ قُرَيشًا تُشبِهُ الفُرسَ في كُفرِهم وشِركِهم، وسَوفَ يَغلِبون المسْلِمين أهلَ القرآنِ، فلمَّا انتصَرَ الرُّومُ على الفُرسِ في آخِرِ الأمرِ، كان ذلك مُصيبةً على قُرَيشٍ؛ لأنَّهم أيْقَنوا أنَّ النَّصرَ سيَكونُ للهِ ولرَسولِه.
والبَطْشَةُ يَعني بِها قَولَه تَعالَى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} [ادخان: 16]، وَالبَطشةُ: هِي ما حَصَل مِن القَتلِ والجِراحِ لِلمُشركينَ يَومَ بَدرٍ، أوِ الدُّخانِ، يَعني به قَولَه تَعالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10]، وذَلكَ حِينَ دَعا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَلى قُرَيْشٍ رَبَّه تَباركَ وتَعالَى أنْ يَأخُذَهم بسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، فأُخِذوا بالمَجاعَةِ، قَالوا: وعَنى بِالدُّخانِ ما كانَ يُصيبُهم حينئِذٍ في أَبصارِهِم مِن شدَّةِ الجوعِ مِنَ الظُّلمَةِ كهَيْئَةِ الدُّخانِ كما في الصَّحيحينِ مِن حَديثِ ابنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه.
والمقصودُ بالعَذابِ الأَكبرِ في الآية هُو عَذابُ يَومِ القِيامةِ، نسألُ اللهَ العافيةَ والسَّلامةَ.
والمرادُ مِن الآيةِ تَهديدٌ ووَعيدٌ مِن اللهِ سُبحانه لهؤلاء المكذِّبين الخارجينَ عن طاعتِه بأنْ يُذيقَهم مِن المِحَنِ والبلاءِ في الدُّنيا، قبْلَ العذابِ الأكبرِ المُعدِّ لهم في الآخرةِ إنْ لم يَتوبوا؛ لعلَّهم يَعودون إلى طاعةِ ربِّهم.
والآيةُ عامَّةٌ؛ فلم يُخصِّصِ اللهُ تَعالَى أنْ يُعذِّبَهم بنَوعٍ مِن ذلك دونَ نَوعٍ، وقدْ عَذَّبَهم بكلِّ ذلك في الدُّنيا بالقتلِ، والجوعِ، والشَّدائدِ، والمصائبِ في الأموالِ، فأوْفَى لهم بما وَعَدَهم.