حديث عبد الله بن بسر المازني 13
مستند احمد
حدثنا علي بن بحر، قال: حدثنا عيسى بن يونس، قال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد يعني ابن جابر، عن عبيد الله بن زياد، عن ابني بسر السلميين، قال: دخلت عليهما فقلت: رحمكما الله، الرجل منا يركب دابته فيضربها بالسوط، ويكفحها باللجام، هل سمعتما من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئا؟ قالا: لا، ما سمعنا منه في ذلك شيئا، فإذا امرأة قد نادت من جوف البيت: " أيها السائل، إن الله عز وجل يقول: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه، إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء} [الأنعام: 38] " فقالا: هذه أختنا، وهي [ص:230] أكبر منا، وقد أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم
الشَّريعةُ الإسلاميَّةُ شَريعةُ رَحمةٍ ورِفقٍ، ومَعالِمُ الرَّحمةِ فيها واضِحةٌ في صُوَرٍ كَثيرةٍ جِدًّا سَواءٌ كان ذلك مَعَ البَشَرِ أو مَعَ الحَيَواناتِ، وقد حَثَّتِ الشَّريعةُ على الإحسانِ للحَيَوانِ والتَّعامُلِ مَعَه بكُلِّ رِفقٍ ورَحمةٍ
وفي هذه الحَديثِ بَيانُ أنَّ الحَيَواناتِ تُعتَبَرُ أُمَمًا أمثالَنا، فلا يَنبَغي إيذاؤها بضَربٍ أو غَيرِه، يَقولُ عُبَيدُ اللهِ بنُ زيادٍ أحَدُ التَّابِعينَ، دَخَلتُ على ابنَي بُسرٍ السُّلَميَّينِ، فقُلت: رَحِمَكُما اللهُ، الرَّجُلُ مِنَّا يَركَبُ دابَّتَه، فيَضرِبُها بالسَّوطِ، ويَكفَحُها، أي: يَجذِبُها، باللِّجامِ، وهو حَديدةٌ في فمِ الفرَسِ، والمَعنى: يَجذِبُها باللِّجامِ لتَقِفَ، هَل سَمِعتُما مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في ذلك شَيئًا؟ ويَقصِدُ أنَّه هَل هذا مِنَ الإيذاءِ للحَيَوانِ الذي يُؤاخَذُ عليه الإنسانُ. فقالا: لا، ما سَمِعْنا مِنه في ذلك شَيئًا. فإذا امرَأةٌ قد نادَت مِن جَوفِ، أي: داخِلِ، البَيتِ: أيُّها السَّائِلُ، إنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ يَقولُ: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: 38]، أي: فلا يَجوزُ للإنسانِ أن يُؤذيَ غَيرَه، كما لا يَجوزُ له أن يُؤذيَ أحَدًا مِن نَوعِه. فقالا ابنَا بُسرٍ: هذه أُختُنا، وهيَ أكبَرُ مِنَّا، وقد أدرَكَت رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
وفي الحَديثِ سُؤالُ أهلِ العِلمِ عَمَّا يُشكِلُ على الإنسانِ
وفيه أنَّ مِنَ الأدَبِ بَينَ يَدَيِ العالمِ عِندَ السُّؤالِ تَقديمَ ذلك بالدُّعاءِ له
وفيه الحِرصُ على مَعرِفةِ حَديثِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
وفيه احتِرامُ الإخوةِ لأُختِهم
وفيه تَوقيرُ الصَّغيرِ للكَبيرِ
وفيه فَضلُ وفِقهُ أُختِ ابنَي بُسرٍ
وفيه الاستِدلالُ بعُمومِ نُصوصِ القُرآنِ على ما لَم يَرِدْ في شَأنِه نَصٌّ خاصٌّ
وفيه عَدَمُ إيذاءِ الحَيَوانِ
وفيه شَهادةُ أهلِ العِلمِ لغَيرِهم بالعِلمِ والصُّحبةِ