حديث عقبة بن عامر الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم 116

مستند احمد

حديث عقبة بن عامر الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم 116

 حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا مشرح بن هاعان، أنه قال: سمعت عقبة بن عامر، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من مات مرابطا في سبيل الله، أجري عليه أجره»

من رَحمةِ اللهِ سُبحانَه وفَضْلِه أنْ جعَلَ أسْبابًا كَثيرةً لرَفْعِ الدَّرَجاتِ، وغُفرانِ الذُّنوبِ، وجَرَيانِ الثَّوابِ للمَرءِ بعْدَ مَوتِه
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ أربَعةَ أصْنافٍ مِن النَّاسِ تَجْري عليهم أُجورُهم وثَوابُهم حتَّى بعْدَ مَوْتِهم

أوَّلُهم: «رَجلٌ مات مُرابِطًا في سَبيلِ اللهِ»، أي: مات وهو يَقِفُ على ثَغْرٍ مِن ثُغورِ الإسْلامِ يُدافِعُ عنه، ويَرفَعُ كلمةَ اللهِ بالحَقِّ والعَدلِ
والثَّاني: رجُلٌ علَّمَ النَّاسَ عِلمًا نافعًا مِن عُلومِ الدِّينِ أوِ الدُّنْيا، سَواءٌ كان هذا التَّعليمُ بالتَّلْقينِ والإسْماعِ، كتَحْفيظِ القُرآنِ والسُّنَّةِ، أوِ بالتَّأليفِ والتَّدْوينِ في الكُتبِ والصُّحفِ، أو بأيَّةِ وَسيلةٍ أُخْرى، فيكونُ أجْرُ ذلك العِلمِ يَجْري عليه بعْدَ مَوتِه، طَوالَ مدَّةِ العَملِ بهذا العِلمِ، وبَقاءِ أثَرِه في الدُّنْيا
والثَّالثُ: ورجُلٌ قدَّم في حَياتِه جُزءًا مِن مالِه، فجعَلَه صَدَقةً جاريةً في أعْمالِ الخَيرِ، كتَعميرِ المَساجِدِ، وتَرْبيةِ اليَتامى والمُعْوِزينَ، أو نَشرِ العِلمِ، أوِ الحَجِّ عنه، أو إطْعامِ الفُقَراءِ، وكلِّ وُجوهِ البِرِّ، فيكونُ أجْرُ هذه الصَّدَقةِ جاريًا على صاحِبِها بعْدَ المَوتِ طَوالَ مدَّةِ دَوامِ الصَّدَقةِ الجاريةِ، وفي حُكمِها بَذلُ الصَّدَقةِ للمَيِّتِ بعْدَ مَوْتِه؛ ففي صَحيحِ مُسلِمٍ مِن حَديثِ عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها: «أنَّ رَجُلًا أتى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقال: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا ولم تُوصِ، وأظُنُّها لو تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أفلها أَجْرٌ إنْ تَصَدَّقْتُ عنها؟ قال: نَعَمْ»
والرَّابعُ: رجُلٌ مات وترَك خلْفَه وَلدًا صالحًا يَدْعو ويَستَغفِرُ له، فيَستَجيبُ اللهُ سُبحانَه دُعاءَ الوَلدِ الصَّالِحِ، ويُجْري الأجْرَ والثَّوابَ والمَغْفرةَ على الوالِدِ بسبَبِ استِغفارِ ولَدِه له؛ لأنَّ الولَدَ مِن كَسْبِ أبيهِ؛ فيَكونُ ذلك كالصَّدَقةِ الجاريةِ
وفي هذا كُلِّه دَعوةٌ إلى استِباقِ الأجَلِ بالأعْمالِ الصَّالِحةِ؛ لأنَّ العمَلَ الصَّالحَ يَبْقى أثَرُه ونَفعُه للعَبدِ في الدُّنْيا والآخِرةِ