حديث عقبة بن عامر الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم 22
مستند احمد
حدثنا أبو العلاء الحسن بن سوار، قال: حدثنا ليث، عن معاوية، عن أبي عثمان، عن جبير بن نفير، وربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، وعبد الوهاب بن بخت، عن الليث بن سليم الجهني، كلهم يحدث، عن عقبة بن عامر قال: قال عقبة: كنا نخدم أنفسنا، وكنا نتداول رعية الإبل بيننا، فأصابني رعية الإبل فروحتها بعشي، فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يحدث الناس، فأدركت من حديثه وهو يقول: «ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم يقوم فيركع ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه، إلا وجبت له الجنة وغفر له» قال: فقلت: ما أجود هذا قال: فقال قائل بين يدي: التي كان قبلها: يا عقبة أجود منها. فنظرت. فإذا عمر بن الخطاب، قال: فقلت: وما هي يا أبا حفص؟ قال: إنه قال قبل أن تأتي: " ما منكم من أحد يتوضأ، فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده [ص:550] ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء "
رَحمةُ اللهِ واسعةٌ، ومُكافأةُ اللهِ عزَّ وجلَّ لعِبادِه تَأتي من أقلِّ القليلِ، وقد جعَلَ اللهُ تَعالَى أُمورًا تُكفِّرُ السَّيِّئاتِ إذا اجتَنبَ المُسلمُ الكَبائرَ، فجَعلَ العباداتِ منَ الوُضوءِ والصَّلاةِ والصّيامِ والصَّدقةِ وغيرِ ذلك تُطهِّرُ الإنسانَ من آثارِ الذُّنوبِ والمَعاصي، وجَعلَها سَببًا للمَغفرةِ
وفي هذا الحديثِ يَروي عُقبةُ بنُ عامِرٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رجالَ الصَّحابةِ كانت عليهم رِعايةُ الإبلِ، وهو القيامُ على شأنِها، وكانت تَرعى في مكانٍ خارِجَ المدينةِ آنَذاكَ، وكانَ الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم يَتبادَلونَ رِعايتَها؛ إشارةً إلى أنَّهم لم يَكُن معهم خَدَمٌ يَرعَون لهم إبِلَهم، فلمَّا جاءَ دَورُه في الرِّعايةِ، ردَّ الإبِلَ إلى مَراحِها -وهو مَوضِعُ مَبيتِها- في آخِرِ النَّهارِ، ثُمَّ ذهبَ إلى المَسجِدِ النَّبويِّ، فوَجَدَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ واقِفًا يَخطُبُ في النَّاسِ، وكانَ ممَّا سَمِعَه منه أنَّه ما من مُسلمٍ -رَجلٍ أوِ امرأةٍ- يَتوضَّأُ فيُحسِنُ وُضوءَه، ويُعطي كلَّ عُضوٍ حقَّه من الماءِ، ثُمَّ يقومُ فيُصلِّي رَكعتَينِ وهو مُقبِلٌ عليهما بقَلبِه ووَجهِه، أي: يُخلِصُ ويَخشَعُ فيهما لله تَعالَى، والإقبالُ بالوَجهِ: تَركُ الالتفاتِ والنَّظرِ إلى غيرِ مَوضِعِ السُّجودِ، وبالقلبِ: قَطعُ الفِكرِ عنه فيما سِوى العِبادةِ. فمَن فَعَلَ ذلك وَجَبَت له الجَنَّةُ، فقالَ عُقبَةُ مُعجَبًا ومُستَحسِنًا تِلك البُشرى من هذا الأجرِ الجليلِ: «ما أَجْوَدَ هذه!» يَعني: ما أجوَدَ هذه الكلمةَ أوِ البِشارةَ، وجَودَتُها من جَمعِها بين سُهولةِ العملِ وعظيمِ الأجرِ
فأخبَرَه رَجلٌ جالِسٌ أمامَه أنَّ الكلمةَ الَّتي قالَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قبلَ ذلك أجوَدُ؛ لِما فيها من الخيرِ والأجرِ، وكانَ هذا الرَّجلُ هو عُمَرَ بنَ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه، وقد قالَ ذلك لعُقبةَ لأنَّه جاءَ مُتأخرًا ولم يَسمَع كلَّ ما قالَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخبَرَه عُمَرُ بقولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ما مِنكم من أحدٍ يَتوضَّأُ فيُبلِغُ -أو فيُسبِغُ- الوُضوءَ» بأن يُتِمَّه ويُعطي كلَّ عُضوٍ حقَّه من الماءِ، ثُمَّ يَقولُ بعدَ الانتهاءِ منه: «أشهدُ أنْ لا إله إلَّا الله» وفي روايةٍ: «وحْدَهُ لا شَرِيكَ له»، أي: لا مَعبودَ بِحقٍّ إلَّا اللهُ، «وأنَّ مُحَمَّدًا عبدُ اللهِ ورسولُه»، فيَشهَدُ برِسالتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منَ اللهِ وأنَّه مُبلِّغُ وَحيِه؛ إلَّا كانَ جزاءُ ذلك أن تُفتَحَ له أبوابُ الجَنَّةِ الثَّمانيةُ، يَدخُلُ من أيِّها شاءَ
وفى الحديثِ: عَظيمُ فَضلِ اللهِ تَعالَى بإعطائه الأجرَ الكَبيرَ على العَملِ اليَسيرِ
وفيه: بيانُ فَضلِ الوُضوءِ والذِّكرِ الواردِ بَعدَه
وفيه: بيانُ فَضلِ الرَّكعتَينِ بعدَ الوُضوءِ بالصِّفةِ المذكورةِ، والحثُّ على ذلِك
وفيه: بيانُ حِرصِ الصَّحابةِ على الخَيرِ مِن تَعلُّم العلمِ ونَشرِه
وفيه: أنَّ الإخلاصَ والإقبالَ على العبادةِ وتَركَ الشَّواغلِ الدُّنيويَّةِ هو رُوحُ العِبادةِ
وفيه: فَضلُ الشَّهادتَينِ وعِظمُ كَلِمةِ التَّوحيدِ
وفيه: ما كانَ عليه الصَّحابةُ منَ التَّواضُعِ، وخِدمةِ الشَّخصِ نفْسَه، ورَعيِه إبِلَه، وإن كانَ عظيمًا
وفيه: مَشروعيَّةُ التَّعاوُنِ في أُمورِ المَعيشةِ