حديث عقبة بن عامر الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم 72
مستند احمد
حدثنا وكيع، حدثنا ابن أبي خالد، عن قيس [ص:605]، عن عقبة بن عامر الجهني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنزلت علي آيات لم ير مثلهن، أو لم نر مثلهن» يعني المعوذتين
القُرآنُ الكَريمُ كَلامُ اللَّهِ تعالى له فَضلٌ عَظيمٌ، وجاءَتِ النُّصوصُ ببَيانِ فَضلِه وعَظيمِ أجرِ مَن قَرَأه، وورَدَتِ النُّصوصُ أيضًا ببَيانِ بَعضِ فضائِلَ سُوَرِ القُرآنِ؛
وذلك لمَزيدِ فضلِها على غَيرِها مِنَ السُّورِ، ومِنَ السُّورِ التي جاءَ ذِكرُ بَعضِ فضائِلِها سورةُ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، فيَقولُ عُقبةُ بنُ عامِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: كُنتُ أقودُ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ناقَتَه، أي: أُمسِكُها وأمشي بها، ورَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فوقَها. فقال له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ألا أُعَلِّمُك سورَتَينِ لَم يُقرَأْ بمِثلِهما؟ أي: ألَا أُعَلِّمُك سورَتَينِ هما مِن أفضَلِ السُّوَرِ؟ وليس المُرادُ أنَّهما أفضَلُ السُّور على الإطلاقِ؛ إذ هناكَ ما يُساويهما أو يَزيدُ عليهما، وقيلَ: هما يَزيدانِ على غَيرِهما مِنَ السُّوَرِ في بابِ التَّعويذِ؛ إذ لَم توجَدْ سورةٌ كُلُّها تَعويذٌ غيرُ هاتَينِ السُّورَتَينِ. فقال عُقبةُ: بَلى، أي: أُريدُ أن تُعَلِّمَني السُّورَتَينِ. فعَلَّمَني: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، أي: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَلَّمَه أن يَقرَأَ بهما. يَقولُ عُقبةُ: فلَم يَرَني رَسولُ اللهِ أُعجِبتُ بهما، أي: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَم يَرَ عُقبةَ أُعجِبَ بتَعليمِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم له هاتَينِ السُّورَتَينِ، ولَعَلَّه لكَونِهما قَصيرتينِ لا طويلَتينِ، وأرادَ أن يُعَلِّمَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سورةً طويلةً؛ فقد جاءَ في بَعضِ الرِّواياتِ أنَّه طَلبَ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُقرِئَه سورةَ يوسُفَ وهودٍ. فلَمَّا نَزَلَ الصُّبحُ. والنُّزولُ: هو نُزولُ المُسافِرِ مِن راحِلَتِه، ولَعَلَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان في سَفرٍ فنَزَلَ لصَلاةِ الفَجرِ، فقَرَأ بهما، أي: بهاتَينِ السُّورَتَينِ في الصَّلاةِ؛ ليُبَيِّنَ لعُقبةَ أنَّهما مَعَ قِلَّةِ حُروفِهما تَقومانِ مَقامَ السُّورَتَينِ الطَّويلَتَينِ؛ إذِ المُعتادُ في صَلاةِ الفَجرِ كان هو التَّطويلَ؛ ليَفرَحَ بهما ويُعطيَهما غايةَ التَّعظيمِ. ثُمَّ قال له: كَيف رَأيتَ يا عُقبةُ؟ أي: كَيف حالُ هاتَينِ السُّورَتَينِ عِندَك الآنَ بَعدَ أن رَأيتَني صَلَّيتُ بهما الصُّبحَ التي يُقرَأُ فيها بالطِّوالِ؟ وإنَّما قال صَلَّى اللهُ تعالى عليه وسَلَّمَ ذلك له تَرغيبًا وتَنبيهًا على فَضلِ السُّورَتَينِ؛ فقدِ اشتَمَلَتا على التَّعَوُّذِ مِنَ الشُّرورِ كُلِّها؛ فمَن حَفِظَهما فقد وُقيَ بإذنِ اللهِ مِنَ الآفاتِ والبَليَّاتِ
وفي الحَديثِ بَيانُ فَضلِ سورَتَيِ الفلَقِ والنَّاسِ
وفيه بَيانُ تَفاضُلِ سُوَرِ القُرآنِ بَعضِها على بَعضٍ
وفيه مَشروعيَّةُ قِراءةِ سورةِ الفلَقِ والنَّاسِ في صَلاةِ الفَجرِ
وفيه مَشروعيَّةُ تَخفيفِ صَلاةِ المُسافِرِ؛ لأنَّ السَّفرَ مَظِنَّةُ المَشَقَّةِ، فيُناسِبُه التَّخفيفُ في الصَّلاةِ كُلِّها تَيسيرًا على المُسافِرِ
وفيه تَعليمُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأصحابِه ما يَنفَعُهم
وفيه حِرصُ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم على الخَيرِ