حديث عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم 16
مستند احمد
جيلُ الصَّحابةِ خَيرُ القُرونِ، وهم أيضًا خَيرُ هذه الأُمَّةِ، أثنى اللهُ تَعالى عليهم، ومَدَحَهمُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وبَيَّنَ فضلَهم في أحاديثَ كَثيرةٍ
وذلك لِما قاموا به مِن نُصرةِ هذا الدِّينِ والجِهادِ في سَبيلِ اللهِ تَعالى، ومِن خيرةِ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عَمرُو بنُ العاصِ رَضيَ اللهُ عنه، أسلَم قَبلَ فتحِ مَكَّةَ، ولمَّا أسلَم كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُقَرِّبُه ويُدنيه لمَعرِفتِه وشَجاعَتِه، وكان شَديدَ الحَياءِ مِن رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم لا يَرفَعُ بَصَرَه إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد أخبَرَ عَمرٌو بقِصَّةِ إسلامِه حَبيبَ بنَ أبي أوسٍ، حَدَّثَه بذلك مِن فيه، أي: مِن فمِه، أنَّه لَمَّا أرادَ أن يُسلِمَ اشتَرَطَ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عِندَ المُبايَعةِ، فقال: يا رَسولَ اللهِ، أُبايِعُك على أن يُغفَرَ لي ما تَقدَّم، أي: ما كان مِنه حالَ الشِّركِ، ولا أذكُرُ ما أستَأنِفُ، أي: أنَّه لَم يَذكُرِ اشتِراطَ غُفرانِ ما تَأخَّرَ مِن ذَنبه. فقال رَسولُ اللهِ: يا عَمرُو، بايِعْ؛ فإنَّ الإسلامَ يَجُبُّ، أي: يَقطَعُ، ما كان قَبلَه، أي: مِنَ الشِّركِ والكُفرِ والموبِقاتِ، والمُرادُ: أنَّه يُذهِبُ أثَرَ المَعاصي التي قارَفها حالَ كُفرِه، وهذا كقَولِ اللهِ تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38]، وإنَّ الهجرةَ، أي: مِن مَكَّةَ إلى المَدينةِ، تَجُبُّ، أي: تَقطَعُ، ما كان قَبلَها، أي: مِنَ الذُّنوبِ والمَعاصي
وفي الحَديثِ فَضلُ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنه
وفيه مَشروعيَّةُ الاشتِراطِ عِندَ البَيعةِ
وفيه فَضلُ الإسلامِ وأنَّه يَهدِمُ ما كان قَبلَه
وفيه فَضلُ الهجرةِ وأنَّها تَهدِمُ ما كان قَبلَها