حديث معاوية بن أبي سفيان 58
مستند احمد
حدثنا صفوان بن عيسى، قال: أخبرنا ثور بن يزيد، عن أبي عون، عن أبي إدريس، قال: سمعت معاوية - وكان قليل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «كل ذنب عسى الله أن يغفره، إلا الرجل يموت كافرا، أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا»
قتْلُ النَّفْسِ المؤمنةِ بغيْرِ حَقٍّ من أكبَرِ الكبائرِ بعدَ الشِّركِ باللهِ تعالى، وقد جاء الإسْلامُ بحفْظِ الضَّروراتِ الخمْسِ التي منها حِفْظُ الدِّماءِ والنُّفوسِ المعصومةِ
وفي هذا الحَديثِ يخبرُ أبو الدَّرداءِ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قال: "كلُّ ذنْبٍ"، أي: كلُّ معصيَةٍ، "عَسى اللهُ أنْ يغفِرَه"؛ تُرْجى من اللهِ المغفِرَةُ والعفْوُ، "إلَّا"، أي: يُستثْنى مِن هذا العفْوِ والمغفِرَةِ "مَن مات"، أي: مَن حانت منيَّتُه "مُشرِكًا"، أي: وهو مشرِكٌ باللهِ غيرُ موحِّدٍ، وأيضًا "أو مؤمِنٌ قتَلَ مؤمِنًا متعَمِّدًا"، أي: تعمَّدَ وقصَدَ قتْلَ مؤمِنٍ
وعن عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّم قال: "مَن قتَلَ مؤمِنًا"، أي: مَن تعَدَّى بالقتْلِ على مؤمِنٍ فقتَلَه بغيرِ حَقٍّ، "فاغتَبَطَ"، أي: فرِحَ ذلك القاتِلُ وسُرَّ بقتْلِ المؤمِنِ بغير حَقٍّ، "لم يَقبَلِ اللهُ منه"، أي: لم يتقبَّلِ اللهُ منه "صَرْفًا"؛ وهو النَّوافِلُ، وقيل: التَّوبةُ، "ولا عدْلًا"، أي: الفرائضَ، وقيل: هي الفِدْيَةُ.
وعن أبي الدَّرداءِ، عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنَّه قال: "لا يَزالُ المؤمِنُ مُعْنِقًا"، أي: العَنَقُ نوْعٌ من السَّيْرِ؛ فهو يكونُ سَريعًا في طاعَةِ اللهِ واجتِنابِ نواهِيهِ، والقيامِ بالفَرائضِ، "صالِحًا"، أي: يكون فيهِ صَلاحٌ، "ما لمْ يُصِبْ"، أي: إلَّا إذا أصابَ "دَمًا حَرامًا"، أي: سفَكَ دمًا محرَّمًا، فقتَلَ نفْسًا ظلْمًا بغيرِ ذنْبٍ أو جريرَةٍ، "فإذا أَصاب دمًا حَرامًا"، أي: إذا قتَلَ بغيرِ شيءٍ يَستوجِبُ القتْلَ "بَلَّحَ"؛ ضعُفَ وانقطَعَ فلم يستطِعِ المشْيَ؛ فالإنسانُ إذا لم يفعَلْ هذا الذَّنْبَ، وهذه الكبيرَةَ- وهي قتْلُ النَّفْسِ بغيْرِ حقٍّ- فإنَّه يَكونُ سريعًا في طاعَةِ اللهِ، فإذا ارتكَبَ هذه الكبيرَةَ ضعُفَ وتعِبَ
والحديثُ في التَحذيرِ والتَّغليظِ مِن قتْلِ المسْلمِ عمْدًا بغَيرِ وجْهِ حقٍّ، وإلَّا فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، والقتْلُ دُونَ الشِّركِ؛ فهو واقعٌ تحْتَ مَشيئةِ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ إنْ شاءَ غفَرَ للقاتِلِ، وإنْ شاء عاقَبَه؛ فالقاتلُ المتعمِّدُ كسائرِ أَصحابِ الكبائرِ، إلَّا مَن ماتَ مستحِلًّا لذلك
وفي هذا الحَديثِ: عِظَمُ أمْرِ قتْلِ المسلِمِ بغيْرِ حقٍّ، وبيانُ شؤْمِ ارتِكابِ كبيرَةِ القتْلِ بغيرِ حقٍّ، وبيانُ عُقوبَةِ ذلِك