عدد التسبيح في السجود
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن رافع، قال: حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن كيسان، قال: حدثني أبي، عن وهب بن مانوس، قال: سمعت سعيد بن جبير، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: ما رأيت أحدا أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى يعني عمر بن عبد العزيز فحزرنا «في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات»
الصَّلاةُ عِمادُ الدِّينِ، ورُكنُه الرَّكينُ، وقد علَّمَنا النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم كيفيَّتَها وآدابَها، ونقَل الصَّحابةُ الكِرامُ كلَّ تَفاصيلِ الصَّلاةِ عنه وعَلَّمونا إيَّاها، وكان مِن هَدْيِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أن يُطيلَ في بَعضِ الصَّلَواتِ وأن يُخفِّفَ في بَعضِها
وهذا الحديثُ يُوضِّح جانِبًا مِن ذلك، وفيه يقولُ أبو هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه: "ما صلَّيتُ وَراءَ أحَدٍ أشبَهَ صلاةً برَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم مِن فلانٍ"، وفي رِوايةٍ عِندَ أحمدَ: "مِن فُلانٍ، لإمامٍ كان بالمدينةِ"، أي: إنَّ هذا الإنسانَ كان يُصلِّي مُقتدِيًا بهديِ النَّبيِّ الكريمِ صلَّى الله عليه وسلَّم في كَيفيَّةِ صلاةِ الفرائضِ وهَيئاتِها؛ قيل: هو عَمرُو بنُ سلَمةَ الجَرْميُّ أبو بُريدٍ، وقد أدرَك النَّبيَّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وكان يَؤُمُّ قومَه على عهدِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه كان أكثَرَهم حِفظًا للقرآنِ
قال: "فصلَّينا وراءَ ذلك الإنسانِ"، وفي روايةِ أحمدَ: "قال سُليمانُ بنُ يسار- الرَّواي عن أبي هُرَيرَةَ-: فصليتُ خَلْفَه"، أي: إنَّ سُليمانَ هو الذي صَلَّى خلفَ الإمامِ الذي أشارَ له أبو هُرَيرَةَ، وهو الذي يَحكي صِفةَ صَلاةِ ذلك الإمامِ، فقال سليمانُ: "وكان يُطيلُ الأُولَيَينِ مِن الظُّهرِ"، أي: يُطيلُ في القِراءةِ في الرَّكعتَين الأُولَيَينِ مِن صلاةِ الظُّهرِ، "ويُخفِّفُ في الأُخرَيَين" مِنهما، "ويُخفِّفُ في العصرِ، ويَقرَأُ في المغربِ بقِصارِ المفصَّلِ"، ويَقرَأُ في العِشاءِ بالشَّمسِ وضُحاها وأشباهِها، ويَقرَأُ في الصُّبحِ بسُورتَينِ طَويلتَين"، والمفصَّلُ مِن القرآنِ هو مَجموعةٌ مِن السُّوَرِ، تَنتهي بسورةِ النَّاسِ واختُلِف في بِدايتِه، وأقربُ الأقوالِ وأصحُّها أنَّه يَبدَأُ مِن سورةِ الحُجراتِ إلى آخِرِ القُرآنِ، وقيل: يبدأُ مِن الجاثيةِ، أو مِن مُحمَّدٍ، أو مِن (ق)، أو مِن الفتحِ، أو مِن الصَّافاتِ، أو مِن الصَّفِّ، وقيل: غيرُ ذلك؛ وسُمِّي مُفصَّلًا لِكَثرةِ الفَصْلِ بينَ سُوَرِه بالبَسملةِ، وقيل: لقِصَرِ أعدادِ سُوَرِه مِن الآيِ، أو لِقِلَّةِ المنسوخِ فيه، وقيل غيرُ ذلك
وأمَّا اختلافُ قَدْرِ القِراءةِ في الصَّلَواتِ؛ فالسُّنَّةُ أن يَقرَأَ في الصُّبحِ والظُّهرِ بطُوالِ المفصَّلِ، ويُطيلَ في الصُّبحِ أكثرَ مِن إطالَتِه في الظُّهرِ، وفي العِشاءِ والعصرِ بأوساطِه، وفي المغرِبِ بقِصارِه. قالوا: والحِكمةُ في إطالةِ الصُّبحِ والظُّهرِ أنَّهما في وَقتِ غفلةٍ بالنَّومِ آخِرَ اللَّيلِ، وفي القائلةِ، فيُطوِّلُهما لِيُدرِكَهما المتأخِّرُ بغفلةٍ ونحوِها، والعصرُ ليست كذلك، بل تُفعَلُ في وقتِ تعَبِ أهلِ الأعمالِ، فخُفِّفَت عن ذلك، والمغرِبُ ضيِّقةُ الوقتِ، فاحْتِيجَ فيها إلى زيادةِ التَّخفيفِ لذلك، ولحاجةِ النَّاسِ إلى عَشاءِ صائمِهم وضَيْفِهم، والعِشاءُ في وقتِ غلَبةِ النَّومِ والنُّعاسِ، ولكنَّ وقْتَها واسعٌ، فأشبَهَت العصرَ
وفي الحديثِ: بيانُ مُراعاةِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لأحوالِ النَّاسِ في الصَّلواتِ مِن حيث التَّطويلُ والتَّخفيفُ