فيمن أحصر بعدو 1
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا جويرية، عن نافع، أن عبد الله بن عبد الله، وسالم بن عبد الله، أخبراه أنهما كلما عبد الله بن عمر، لما نزل الجيش بابن الزبير قبل أن يقتل، فقالا: لا يضرك أن لا تحج العام، إنا نخاف أن يحال بيننا وبين البيت، قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحال كفار قريش دون البيت، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه، وحلق رأسه»، وأشهدكم أني قد أوجبت عمرة إن شاء الله، أنطلق فإن خلي بيني وبين البيت طفت، وإن حيل بيني وبين البيت فعلت ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه، ثم سار ساعة، ثم قال: فإنما شأنهما واحد، أشهدكم أني قد أوجبت حجة مع عمرتي، فلم يحلل منهما حتى أحل يوم النحر وأهدى
الحَجُّ رُكنٌ مِن أركانِ الإِسلامِ، وهو عِبادةٌ لِمَن استَطاعَ إليها سَبيلًا، وتُؤخَذُ جَميعُ أعمالِه مِن سُنَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفي هذا الحَديثِ يَروي نافعٌ، مَولى ابنِ عُمَرَ، أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أرادَ الحَجَّ عامَ نُزولِ الحَجَّاجِ بابنِ الزُّبَيرِ، وكان ذلك عامَ اثنَيْنِ وسَبعينَ مِنَ الهِجرةِ، عِندَما نَزَلَ الحَجَّاجُ بنُ يوسُفَ الثَّقَفيُّ بأمْرٍ مِن عبدِ الملِكِ بنِ مَرْوانَ لمُحارَبةِ عبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ في مَكَّةَ، وعَزَمَ ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما على الحَجِّ في ذلك العامِ، فخِيفَ عليه مِن أنْ يَصُدُّوه ويَمنَعوه عنِ البَيتِ، فتَلا قَولَه تعالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، وأنَّه سيَفعَلُ كما فَعَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم
ثم أشهَدَهم أنَّه أوجَبَ عُمرةً في أوَّلِ الأمرِ، ثم أوجَبَ حَجًّا وعُمرةً بظاهِرِ «البَيْداءِ»، والبَيداءُ في اللُّغةِ هي الصَّحراءُ لا شَيءَ بها، والمَقصودُ بها هنا مَكانٌ فَوقَ عَلَمَيْ ذي الحُلَيفةِ إذا صُعِدَ مِنَ الوادي، وفي أوَّلِ البَيداءِ بِئرُ ماءٍ، ويَبعُدُ عن مَكَّةَ حَوالَيْ (420 كم)، وأهدَى هَديًا اشتَراه في الطَّريقِ مِن «قُدَيْدٍ»، وهو مَوضِعٌ قَريبٌ مِنَ الجُحْفةِ، وقُدَيدٌ: ماءٌ بالحِجازِ، وهو بَينَ مَكَّةَ والمَدينةِ، وهو مِنَ الحِلِّ وليس مِنَ الحَرمِ، وإنْ كان داخِلَ الميقاتِ، ويَبعُدُ عن مَكَّةَ المُكرَّمةِ (150 كم)، ويَقَعُ إلى الشَّمالِ الشَّرقيِّ منها
ولم يَنحَرْ، ولم يَحِلَّ مِن شَيءٍ حَرُمَ منه، ولم يَحلِقْ، ولم يُقَصِّرْ، إلى أنْ جاء يَومُ النَّحرِ، وهو يَومُ العاشرِ مِن ذي الحِجَّةِ، فنَحَرَ وحَلَقَ، ورَأى أنَّه قد قَضى طَوافَ الحَجِّ والعُمرةِ بطَوافِه الأوَّلِ؛ فالقارِنُ يَقتصِرُ على أفعالِ الحَجِّ، وتَندرِجُ أفعالُ العُمرةِ كُلُّها في أفعالِ الحَجِّ، ولا يَحِلُّ القارِنُ إلَّا يَومَ النَّحرِ
وفي الحَديثِ: الخُروجُ إلى النُّسُكِ في الطَّريقِ المَظنونِ خَوفُه إذا رَجا السَّلامةَ
وفيه: اتِّباعُ ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما سُنَّةَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، واقتِفاؤه أثَرَه في أفعالِه