كتاب تقصير الصلاة في السفر 7
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، قال أبي، أنبأنا أبو حمزة وهو السكري، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين رضي الله عنهما»
كان الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم أحرَصَ الناسِ على اتِّباعِ هَدْيِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومُوافَقةِ سُنَّتِه، وكانوا رَضيَ اللهُ عنهم يُراجِعُ بَعضُهم بَعضًا في أيِّ مَوقفٍ جَرى في ظاهِرِه على خِلافِ سُنَّةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التابعيُّ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ يَزيدَ أنَّهم كانوا مع عُثمانَ بنِ عَفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه بمِنًى، وهو وادٍ قُربَ الحَرَمِ المَكِّيِّ يَنزِلُه الحُجَّاجُ يومَ التَّرويةِ؛ الثامنَ مِن ذي الحجَّةِ، وذلك في زمَنِ خِلافتِه، فصَلَّوا أربَعَ رَكَعاتٍ ولم يَقصُروا الصَّلاةَ الرُّباعيَّةَ، فأُخبِرَ بذلك عَبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه، فاستَرْجَع رَضيَ اللهُ عنه، يعني: قال: إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجِعون، ثمَّ أخبَرَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه صلَّى وقَصَرَ الصَّلاةَ مع رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأبي بكرٍ وعمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنهما -كلٌّ في عَهْدِه- وهمْ في حَجِّهم بمِنًى، فقَصَروا الرُّباعيَّةَ (الظُّهرَ، والعصرَ، والعِشاءَ) رَكْعتَينِ، ثمَّ قال رَضيَ اللهُ عنه: «فلَيْتَ حَظِّي مِن أَرْبَعِ رَكَعاتٍ رَكْعَتانِ مُتقَبَّلَتانِ»، يعني: لَيْتَ نَصِيبي رَكْعَتانِ مُتقبَّلتانِ بَدَلَ أرْبَعِ رَكَعاتٍ، يُشِيرُ بذلك إلى فِعلِ عُثْمانَ رَضيَ اللهُ عنه، فكأنَّه يَقولُ: لَيْتَ عُثْمانَ صَلَّى رَكعتَينِ بَدَلَ الأربَعِ كما كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأبو بكرٍ وعُمَرُ رَضيَ اللهُ عنهما يَفعَلون، ومَقصُودُه: كَراهةُ مُخالَفةِ ما كان عليه رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وصَاحِبَاه
وقد أتمَّ ابنُ مَسعودٍ أربَعًا خلْفَ عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنهما، كما عندَ أبي داودَ، فقِيل له: عِبتَ على عُثمانَ، ثمَّ صلَّيتَ أربعًا؟! فقال: «الخِلافُ شرٌّ»، أي: إنَّ الخِلافَ بيْنَ المسلِمينَ في ذلك المَوطنِ شرٌّ وأعظَمُ مِن الإصرارِ على الرَّكعتَينِ ومُخالَفةِ الإمامِ؛ إشارةً إلى جَوازِ الإتمامِ وإنْ كان خِلافَ الأَوْلى، وهذا مَبدَأٌ عظيمٌ، وخاصَّةً في الأمورِ الاجتهاديَّةِ الَّتي تَحتَمِلُ أكثرَ مِن وَجْهٍ، وعلى العُلماءِ أنْ يَلتَزِموا بما اختارَه ولِيُّ الأمرِ لِمَا رأَى فيه مِن المصلَحةِ ما لم يكُنِ الأمرُ تَوقيفيًّا عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وقدْ روَى البُخاريُّ مِن حَديثِ ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه قصَرَ صدرًا مِن إمارتِه ثمَّ أتَمَّها. وقيل في إتمامِ عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه: إنَّه كان اجتِهادًا منه؛ لأنَّه اعتقَدَ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَصَر الصَّلاةَ لَمَّا خُيِّرَ بيْنَ القَصرِ والإتمامِ؛ فاختار الأيسرَ مِن ذلك على أُمَّتِه، فأخَذَ عُثمانُ رَضيَ اللهُ عنه في نفْسِه بالشِّدَّةِ، وترَكَ الرُّخصةَ؛ إذ كان ذلك مُباحًا له في حُكمِ التَّخييرِ فيما أذِنَ اللهُ تعالَى فيه. وقيل: إنَّ عُثمانَ بنَ عفَّانَ أتمَّ الصَّلاةَ بمِنًى مِن أجْلِ الأعرابِ؛ لأنَّهم كَثُروا عامَئذٍ، فصلَّى بالناسِ أربعًا؛ ليُعلِمَهم أنَّ الصَّلاةَ أربَعٌ، والنَّاسُ يَأخُذون في الحجِّ أُمورَ الدِّينِ مِن الأئمَّةِ والعُلماءِ، فخافَ أنْ يَتصوَّرَ بعضُهم أنَّ الصَّلاةَ رَكعتَانِ فقَطْ، فأتَمَّ الصَّلاةَ الرُّباعيَّةَ؛ حتَّى يَتَعلَّمَها الجُهَّالُ والأعرابُ. وقِيلَ غيرُ ذلك