كتاب صلاة الخوف 14
سنن النسائي
أخبرنا العباس بن عبد العظيم، قال: حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثني سعيد بن عبيد الهنائي، قال: حدثنا عبد الله بن شقيق، قال: حدثنا أبو هريرة، قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نازلا بين ضجنان وعسفان محاصر المشركين، فقال المشركون: إن لهؤلاء صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأبكارهم، أجمعوا أمركم ثم ميلوا عليهم ميلة واحدة، فجاء جبريل عليه السلام فأمره أن يقسم أصحابه نصفين، فيصلي بطائفة منهم، وطائفة مقبلون على عدوهم قد أخذوا حذرهم وأسلحتهم، فيصلي بهم ركعة، ثم يتأخر هؤلاء ويتقدم أولئك فيصلي بهم ركعة تكون لهم مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعة ركعة وللنبي صلى الله عليه وسلم ركعتان "
للصَّلاةِ مَنزلِةٌ عَظيمةٌ في الإسلامِ، ولا تُترَكُ حتَّى في أوقاتِ الشِّدَّةِ والخوفِ، حتَّى والمسلِمون يُقاتِلون العدوَّ؛ لِمَا لها مِن مكانةٍ عاليةٍ
وفي هذا الحديثِ يُخبرُ أبو هُرَيرةَ رَضِي اللهُ عَنه: "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم نزَل بينَ ضَجْنانَ"، وهو: جبَلٌ بينَه وبينَ مكَّةَ خَمسةٌ وعِشْرون مِيلًا (40 كم تقريبًا)، "وعُسْفانَ"، قريةٌ على مَسافةِ ثَمانينَ مِيلًا (128 كم تقريبًا) مِن مكَّةَ شمالًا على طريقِ المَدينَةِ، وكان مُحاصِرًا للمُشرِكين في ذلك الموضِعِ، فقال المشرِكون: "إنَّ لهؤلاء"، أي: للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وصَحابتِه رِضوانُ اللهِ عليهم "صلاةً"، أي: إنَّ عِندَهم صَلاةً، "هي أحَبُّ إليهم مِن آبائِهم وأبنائِهم- وهي العَصرُ-"، أي: مِن حِرْصِهم ومُحافظَتِهم عليها، "فأَجمِعوا أمْرَكم"، أي: أراد المشرِكون الهُجومَ على المسلِمين أثناءَ صَلاتِهم العصْرَ، "فمِيلوا عليهم مَيلةً واحدةً"، أي: احمِلوا وشُدُّوا عليهم حملةً واحدةً أثناءَ تلك الصَّلاةِ، "وأنَّ جِبْرائيلَ أتى"، أي: جاء إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وأخبَره بما كان مِن تدبيرِ المشرِكين، "فأمَره"، أي: أمَر جِبريلُ عليه السَّلامُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أنْ يَقسِمَ أصحابَه شَطْرَين"، أي: نِصْفَين، "فيُصلِّيَ بهم"، أي: فيُصلِّيَ بنِصْفٍ مِنهم، "وتقومَ طائفةٌ أخرى وراءَهم"، أي: ويقومَ النِّصفُ الآخَرُ بحِراسَتِهم مُقابِلين العدوَّ، "ولْيَأخُذوا حِذْرَهم وأسلِحتَهم"، أي: يَكونوا مُنتبِهين يَقِظين على أتَمِّ الاستعدادِ للعدوِّ، "ثمَّ يأتي الآخَرون، ويُصلُّون معَه ركعةً واحدةً"، أي: ثمَّ تَنصرِفُ وتتَأخَّرُ الطَّائفةُ الأُولى الَّتي صلَّتْ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم رَكعةً، وتأتي الطَّائفةُ الأخرى الَّتي لم تُصَلِّ؛ لتُصلِّيَ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم الرَّكعةَ الأخرى، "ثمَّ يأخُذُ هؤلاء"، أي: الفِرقةُ الأولى "حِذرَهم وأسلِحتَهم"، أي: لِيَكونوا على يَقظةٍ واستِعدادٍ، "فتَكونُ لهم رَكعةٌ ركعةٌ"، أي: إنَّ الفِرقتَين كلُّ واحدةٍ مِنهما صلَّت معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ركعةً واحدةً، "ولِرَسول اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم رَكعَتان"، أي: ويكونُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم صلَّى ركعَتين. ... وقد ورَد في كيفيَّةِ صلاةِ الخوفِ صفاتٌ كثيرةٌ، وهذه إحدى الرِّواياتُ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فيها، وقد صلَّاها في أيَّامٍ مُختلفةٍ بأشكالٍ مُتبايِنةٍ يتحرَّى فيها ما هو الأحوطُ للصَّلاةِ والأبلَغُ للحِراسةِ؛ فهي على اختلافِ صُوَرِها متَّفِقةُ المعنى. ... وفي الحديث: بيانُ مَحبَّةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابِه للصَّلاةِ، وتَعظيمِهم إيَّاها