ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة
بطاقات دعوية
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي. (م 4/ 123
جاء رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للنَّاسِ بالهُدى ودِينِ الحقِّ بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى اللهِ بإذْنِه وسِراجًا مُنيرًا، فأمَدَّه ربُّه بالمعجزاتِ الباهرةِ، والآياتِ البيِّنةِ الَّتي تؤيِّدُ صِدقَه، وكان بالمُؤمنِينَ رَؤوفًا رحيمًا.
وفي هذا الحديثِ يَحكي عُقبةُ بنُ عامرٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خرَج يومًا فصلَّى على أهلِ أُحُدٍ صلاةَ الجِنازةِ كما يُصلِّي على غيرِهم مِن الموتَى، والمرادُ بهم شُهداءُ غزوةِ أُحُدٍ، وكانتْ في شوَّالٍ في السَّنةِ الثَّالثةِ مِن الهِجرةِ، وأُحُدٌ جَبَلٌ مَشهورٌ مِن جِبالِ المدينةِ، وعندَ أبي داودَ أنَّ ذلك كان بعْدَ «ثَمانِ سِنينَ، كالمُوَدِّعِ للأحياءِ والأمواتِ»، ثمَّ انصرَف إلى المِنبرِ فصَعِد عليه، وخطَبَ النَّاسَ، فقال: إنِّي فَرَطٌ لكم، أي: سابِقُكم وأوَّلُ واردٍ منكم على الحَوضِ يَومَ القِيامةِ، «وأنا شَهيدٌ علَيْكُم» والمرادُ بها الشَّهادةُ على الأعمالِ، ولا تختصُّ بالشَّهادةِ في المعركةِ، وشَهادتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَشملُ المسلمينَ جميعًا، المتقدَّمَ منهم والمتأخِّرَ، فكأنَّه باقٍ معهم لم يَتقَدَّمْهم، بل يَبقى بعْدَهم حتَّى يَشهَدَ بأعمالِ آخِرِهم، فهو عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ قائمٌ بأمْرِهم في الدَّارَينِ في حياتِه ومَوتِه.
ثمَّ قال: وإنِّي أُعطِيتُ مفاتيحَ خزائنِ الأرضِ، أو مفاتيحَ الأرضِ، أشار بذلك صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى اتِّساعِ الدَّولةِ الإسلاميَّةِ، وكثرةِ فُتوحاتِها، وتدَفُّقِ الأموالِ عليها؛ لأنَّ مَن فتَح بلدًا فكأنَّما تسَلَّم مفاتيحَ خزائنِه، وامتلَك ثرَواتِه وأموالَه، ثمَّ أخبَر الناسَ أنَّه لا يَخافُ عليهم أنْ يُشْرِكُوا باللهِ بَعْدَه، ولكنَّه يَخافُ أن يَحمِلَهم التَّنافُسُ على المالِ والجاهِ على التَّنازُعِ فيما بيْنَهم، فيؤدِّي ذلك بهم إلى العَداوةِ والبَغْضاءِ، والتَّقاتُلِ على الدُّنيا وخَيراتِها؛ فيكون سببًا في هلاكِهم وضَعفِهم، وهذا إنذارٌ بما سيَقَعُ، وقدْ وقَعَ كما أخْبَر صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ إذ فُتِحت لدُّنيا بعْدَه وبُسِطتْ، وحَصَل التحاسُدُ والتقاتُلُ وغيرُ ذلك ممَّا هو مَعروفٌ يَشهدُ بصِدقِ خبرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وقد وُجِّهَتْ صَلاتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على المَيتِ في هذا الحديثِ بأنَّها لِبَيانِ أنَّ الصَّلاةَ عليهم جائزةٌ. وقيل: إنَّ تلك واقِعةُ عَينٍ تختصُّ بشُهداءِ أُحُدٍ وليستْ على العُمومِ، والمثبَتُ أنَّه لا يُصلَّى على الشَّهيدِ الذي قُتِلَ في المعركةِ؛ لِما في صحيحِ البخاريِّ عن جابرِ بنِ عبدِ الله رَضيَ اللهُ عنهما: «وأمَر بدفْنِهم في دمائِهم، ولم يُغَسَّلوا، ولم يُصَلَّ عليهم»، وأيضًا فالصَّلاةُ على المَيتِ شفاعةٌ له، ولا يُشفَعُ إلَّا للمُذنِبينَ؛ والشُّهداءُ قد غُفرِتْ ذُنوبُهم، وصاروا إلى كرامةِ الله ورحمتِه وجَنَّته أجمعينَ؛ فارتفعتْ حالُهم عن أنْ يُصلَّى عليهم كما يُصلَّى على سائرِ موتَى المسلِمينَ.
وفي الحديثِ: التَّحذيرُ مِن إقبالِ الدُّنيا، وفِتنَتِها، ومَخاطرِها.
وفيه: عَلامةٌ ظاهرةٌ مِن عَلاماتِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: ثُبوتُ الحَوضِ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلم يومَ القِيامةِ.
وفيه: أنَّ أُمَّتَه لا يُخافُ عليهم مِن الشِّركِ، وإنَّما يُخافُ عليهم مِن التَّنافُسِ، وما يقعُ منه مِن التَّحاسُدِ والتَّباخُلِ.