ما جاء في افتراق هذه الأمة1
سنن الترمذى
حدثنا الحسين بن حريث أبو عمار قال: حدثنا الفضل بن موسى، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تفرقت اليهود على إحدى وسبعين أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة» وفي الباب عن سعد، وعبد الله بن عمرو، وعوف بن مالك: «حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح»
وفي هذا الحديثِ يُحذِّرُنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن التَّفرُّقِ، ويَحُثُّنا على الثَّباتِ على الحقِّ الَّذي كان عليه هو وأصحابُه الكِرامُ، حيثُ يقولُ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "افتَرقَتِ اليهودُ"، أي: في دِينِها وعَقائدِها "على إحدى وسَبعين فِرْقةً؛ فواحِدةٌ في الجنَّةِ"، وهي الفِرقةُ الَّتي اتَّبعَتِ الحقَّ الَّذي أنزَله اللهُ على نبيِّه موسى عليه السَّلام، ولم تُغيِّرْ ولم تُبدِّلْ أحكامَ التَّوراةِ، "وسَبْعون في النَّارِ"، أي: وباقي تِلك الفِرَقِ في النَّارِ جزاءً على ما ابتدعَتَه في دينِ اللهِ، ولم يأتِ بيانُ ما الَّذي قد ذهَبَت إليه كلُّ فِرقةٍ في شيءٍ مِن الأحاديثِ، كما لم يأتِ ذلك في فِرَقِ النَّصارى الَّذين أخبَر عنهم بقولِه: "وافتَرقَتِ النَّصارى على ثِنتَين وسَبعين فِرقةً؛ فإحْدى وسَبعون في النَّارِ، وواحدةٌ في الجنَّةِ"، زادتْ فِرقةً على مَن قبلَها كما زادَتِ الأمَّةُ على هذه بفِرْقةٍ، كما قال صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيَدِه"، يُقسِمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم باللهِ عزَّ وجلَّ؛ وذلك لأنَّ اللهَ هو الَّذي يَملِكُ الأنفُسَ، وكثيرًا ما كان يُقسِمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بهذا القسَمِ، "لتَفتَرِقنَّ أمَّتي على ثلاثٍ وسَبعين فِرقةً؛ واحدةٌ في الجنَّةِ، وثِنتانِ وسَبعون في النَّارِ"، أي: إنَّ تلك الفِرَقَ الَّتي ستَنشَأُ وتتَكوَّنُ في تِلك الأُمَّةِ هم مَنْ يُخالِفُ أهلَ الحقِّ في أصولِ التَّوحيدِ، وفي تقديرِ الخيرِ والشَّرِّ، وجَزاؤُهم بذلك النَّارُ، فقال الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عَنهم: "مَن هم يا رسولَ اللهِ"؟ أي: مَن هي الفِرقةُ النَّاجيةُ؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "الجَماعةُ". وفي روايةِ التِّرمذيِّ مِن حَديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو رَضِي اللهُ عَنهما، قال: "ما أنا عليه وأصحابي"، أي: إنَّ الفِرْقةَ النَّاجيةَ بَيْن هؤلاءِ هم الجَماعةُ مِن أهلِ العِلْمِ والفقهِ، والمُجاهِدينَ في سَبيلِ اللهِ، والآمِرين بالمَعروفِ والنَّاهينَ عنِ المُنكرِ، الَّذين اجتَمَعوا على الاعتِصامِ بكِتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ، واتِّباعِ آثارِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وسُنَّتِه، وابْتَعَدوا عن البِدَعِ والتَّحريفِ والتَّغييرِ.
وفي الحديثِ: علامَةُ مِن دلائلِ نُبوَّتِه الشَّريفةِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، حيث وقَعَ ما أخبَر به.