محاضرة 29

بطاقات دعوية

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له،ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله.

 هذه المحاضرة هى التاسعة والعشرون من علم العقيدة ، وذكرتُ فى المحاضرة السابقة عدة أمورٍ منها :-

  • الدليلُ الثالث الإستدلالُ بالله على الله تعالى وبينتُ أن مذهب أهلِ السنةِ والجماعة يستدلون بالله تعالى على الله عز وجل وقد ذكرتُ جمهرةً من أقوالِ أهلِ العلمِ من الصحابة كعبد الله بن رواحة وابن عباس وبعضُ العلماء بعدهم كابن تيمية رحمه الله  .
  • كذلك بينتُ أن جِماع الخير العلم والصبر وأن جِماع الشر عياذاً بالله تعالى الجهلُ والظلم.
  • بينتُ أن العقلَ ألةٌ تعملُ فى غيرِها وهذا الغيرُ عند أهلِ السنةِ والجماعة هو وحىُ الرحمن أعنى كتاب الله وسنةَ نبيه صلى الله عليه وسلم وأما هذا الغيرُ عند أهلِ البدع عند المتكلمين هو وحىُ الشيطان عياذاً بالله تعالى من المناطقة والفلاسفة والملاحدة والزنادقة والصابئة وغيرِ ذلك من الهلَّكى.
  • ذكرتُ كتابَ (قصص الأنبياء ) لعبد الوهاب النجار وحذرتُ منه أيما تحذيرٍ فإنه بُنىَّ على باطلٍ عياذاً بالله تعالى.
  • بينتُ أن الأشاعرة يقولون منطوقاً لا مفهوماً أنه لا يُمكنُ الاستدلال على وجود البارى تعالى إلا بطريقِ الحدوثِ والقدم وعليه فهم يُنكرون هذا الدليل أعنى (الإستدلال بالله على الله تعالى ) كما أنكروا الذى قبله أعنى الفطرة وأنكروا الذى قبله أعنى الشرع.

واليومُ إن شاء الله تعالى أبدءُ بالدليلِ الرابع ألا وهو (معجزةُ الرسل) وأعنى كتمهيد بأن معجزةَ الرُسل عند أهلِ السنة والجماعة تدُلنا على وجود البارى عز وجل  دون الحاجة إلى طريقةِ المتكلمين التى فى حقيقةِ الأمر لا تصلُ بنا إلى عينِ المطلوب إنما تصلُ بنا إلى جنس المطلوب وهذا قدرٌ مُشترك بين جميعِ الأشياء ، لذلك يقولُ المصنفُ هنا (كان المشركون يطلُبونَ من أُرسل بآياتٍ تدلُ على صدقه فكانت الآياتُ عندهم دليلاً على صحةِ إرسالهِ ولكلِ مُرسَل مُرسِل ) هذه الكلمة البسيطة التى ذكرتُها فى فيض المجيد الجزء الأول أريدُ منها جمهرةً كبيرة جداً من المسائل ولكن أبدئُها بالآتى معنى هذا الكلام المُجمل أن المُشركينَ فى عصر نبينا صلى الله عليه وسلم  بل المشركون مع كلِ نبىٍ من الأنبياء كانوا يطلُبون منهُ بعضَ الآيات هذه الآيات يزعُمون أنها الدليلُ على صدقِ النبى فى دعواه بأنه نُبىءَ من قبيل الله تعالى فإذا جاء بها أثبتوا أنه مرسلٌ من مِرسلٍ إذاً فى حقيقةِ الأمر أنهم أثبتوا وجوداً لله تعالى بمجرد أن يأتى بهذه الآية الله تعالى حكى أكثر من حادثةٍ تدلُ على هذا المعنى فى عقيدةِ المشركين فمنها مثلاً :-

قولهُ تعالى (الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [سورة آل عمران :183].

فالله تعالى يحكى عن قومٍ من المشركين أن اللهَ عَهِدَ إليهم بعهد ما هذا العهد بأن الله تعالى قال لهم لا تقبلون نبأً من أحدٍ بأنه رسول من عند الله حتى يأتىَّ بصدقهِ هذه الأمارة والعلامة تُسمى بالقربان فالقربان وهو مثلاً جمهرةٌ من الغنم هذا الغنم فتنزِل عليهم صاعقةٌ من السماء فتحرقُ هذا الغنم قلتُ لنا مع هذه الآية جمهرةً من الوقفات اذكُر بعضها

الوقفة الأولى

يحكى الله تعالى عن هؤلاء أنهم زعموا أن الله عَهِدَ إليهم هذا العهد ولم يقل المولى تعالى أنه عَهِدَ إليهم فهذه فى غايةِ الأهمية زعموا أن اللهَ تعالى عَهِدَ إليهم هذا العهد والطريقةُ مع أمثالِ هؤلاء فى غايةِ الدقةِ إن قلتَ لهم أنكم كاذبون قالوا نحنُ لسنا بكاذبين فلم ولن نصل معهم إلى حلٍ بهذه الطريقة انظر ماذا يقولُ المولى تعالى كأنه قال هب أنكم صادقون فى زَعمِكم هذا فقد جاءكم ما زعمتم فلم تؤمنوا بل وقتلتم إذاً لو نظرنا إلى هذه الجزئية نجدُ أنهم كاذبون فى المقال كاذبون فى النتيجة نسألُ الله السلامة والعافية.

الوقفة الثانية

أنهم يزعمونُ أن هذا العهد هو عدم الإيمان بمن زعم أنه رسولٌ حتى يأتىَ بصدق هذا أعنى القربان الذى سيرسلُ الله تعالى عليه النار وهذا الزعمُ كما سبق زعمٌ باطل ولكن أُكرر هب أنَ هذا الزعمَ زعمٌ صحيح فإن الُرسل قد جاءوا بما زعمتُم بالفجواب فلما قتلتموهم؟!! فدل على كذبِهم عياذاً بالله تعالى وأنهم لا ينقادون ولا يؤمنون لرسولٍ سواءٌ جاءَ الرسولُ بالبيناتِ أم لم يأتى بها ، لذلك نقول إن معجزات الرُسل عند المشركين تدلُ على أنه مُرسَلٌ وطالما أنه مُرسَلٌ إذاً هم يعتقدونَ لابد من مُرسِل

 إذاً خلاصة الكلام أنهم يؤمنون بوجودِ الله تعالى وإلا لا معنى لكلِ ما قالوه هنا وقفةٌ لُغوية سريعة ذكرتُ لفظَ مُرَسَل ومُرسِل هذا من الفعل الرباعى( أرسلَ) الفعل الرباعى إذا أردت ان تُؤتى منه باسم الفعل أو اسم المفعول لابد وأن تُحولَ هذا الماضى( أرسلَ) إلى مضارع يُرسلُ المضارع لابد فى الرباعى أن يكونَ مضموم الأول( يُرسِلُ) بعد ذلك تحذف ياء المضارعة وتضعَ بدالها ميم مضمومة يصبح( مُرسل) فلو كسرت قبل الآخر( مُرسِل) هذا اسم فاعل فتحت قبل الآخر وهى سين يُصبح( مُرسَل) وهذا اسمُ المفعول فانتبه إلى هذه فهى مُهمة وبالجملة لابد وأن تعلمَ أن الحروفَ تبدء من حرفٍ وتنتهى عند خسمةِ أحرف  يعنى الحرف كالواو وخمسةُ أحرف لكن اللام بعدها ألف ولكنها لا تُكتب والنون المشُددة لو ذهبت للأفعال لا تجدُ فعلاً أقل من حرفين ولا يزيدُ عن ستةِ أحرُف حرفين ك (قل ) وستة أحرف ك (استغفر) تذهب للأسماء لا تجدُ أسماً أقلَ أبداً من ثلاثةِ أحرُف ولكن يصلُ إلى سبعةِ أحرُف ك (استغفار) أما بالنسبة لثلاثة أحرُف كصوم ونحو ذلك قد يقولُ القائل أخ وأب لا العربُ تعشقُ الحذف هنا يوجد حرف محذوف فإن شئت أن تتعرفَ عليه أتِ بالتثنية أو بالإضافة فقل (أخوان )ظهرت الواو أو (أخوك) ظهرت الواو (أبوان) (أبوك ) وهلم جر على ما بينتُ ذلكَ فى علمِ النحو، يوجد مثال آخر أيضاً يُبين هذه القضية عند من سبقنا ولكن فى الحقيقة هذا مثال يخصُ المسلمين وهو قوله تعالى (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ) [سورة المائدة:113:112]

هاتان آياتان من سورةِ المائدة ولنا وقفة أو وقفتين مع هاتينِ الآيتين

الوقفة الأولى / أين وجهُ الاستدلال من هذه الآية ؟ أقول إن الذين طلبوا هذه المائدة عللوا الطلب بأمورٍ مُعتبرة وأمور لا تُعتبر أصلاً فأما الأمر الذى لا يُعتبر أنهم يريدون أن يأكلوا منها والأكلُ منها مما لا شك فيه له وسائل كثيرة فلا نعبأُ بها بل هم أنفُسهُم لا يهتمون بها القضية الكُبرى عندهم بيتُ القصيد أنهم قالوا ماذا؟

قالوا قولتهم

نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا

انتبه

وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا

هذه هى حقيقة المسألة

وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا

لعيسى على نبينا وعليه السلام وهؤلاء الحواريون هم انصارُ عيسى مما لا شك فيه كانوا من المسلمين ستقول كيف يقولون؟

وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا

 مما لا شك فيه سيأتى كلُ ذلك سنعلمُ أنك رسولٌ من عندِ الله تعالى ، لذلك وجه الاستدلال للحواريين أنهم قالوا

 وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا

فى ماذا؟

فى أنك رسولُ اللهَ تعالى إلى بنى اسرائيل فنزدادُ إيماناً قد يقولُ القائل هذا شك ؟

 لا هذا ليس بشكٍ هذا طلبُ زيادة مَثلُهَا كمثل إبراهيم عليه السلام (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [سورة البقرة:260]

وهذه رتبة زائدة يعنى رُتبة الإيمان موجودة ولكن نريدَ أن نُزود هذه الرتبة فلم يشك إبراهيم عليه السلام على تفصيلٍ معروفٍ فى مكانهِ هنا أيضاً جعلوا وجود المُعجزة دليلاً صريحاً وصحيحاً على وجود المُرسَل فكان ذلك دليلاً على وجود المُرسِل وهو اللهُ عز وجل  فى الحقيقة هنا وقفة مهمة جداً سأذُكرها حتى لا نترُكها وهى من الأهمية بمكان ولكن بينتُها بشىءٍ من التفصيل فى كتابِنا (التقاسيم )وإن شاء الله فى فرصة أُبينها لأنها تحتاجُ بعضُ الوقت ماذا قال الحواريون وعن أى شىءٍ سألوا؟

قالوا

هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ

هذه هى قراءةُ حفص كما لا يخفى عليكم

أليس هذا شكٍ فى تمام قدرة الله وليس فى قدرةِ الله لأنهم يعلمون أنهم خلقٌ من خلِق الله فيعلمون أن الله تعالى قادرٌ ولكن هنا شك فى تمام قدرةِ الله أنا أدرى أن هناك قراءةً تقول

هل تسطيعُ ربك

وهى قراءة صحيحة مما لا شك فيه ولا أدنى مُشكلة بين القرائتين

هل تسطيعُ ربك

أى هل تستطيعُ أن تسألَ ربك هذه ليست فيها أدنى مشكلة

قد يقولُ القائل الشكُ فى تمامِ قدرة الله كفر

قلتَ هذا كلام لا علاقة له بالعلم لا من قريب ولا من بعيد تتذكرون قصةَ الرجل الذى حضرتهُ الوفاة فقال لبنيه كيف كنتُ فيكم؟ قالوا نعم الأب قال واللهِ ما فعلتُ خيراً قط –انتبه – لإن قدرَ اللهَ علىَّ ليُعذبنِى عذاباً ما عذَبهُ أحداً من العالمين – نفس هذا الكلام هو الذى قيل للحوارين- فإذا أنا مِتُ فحرقونى ثم اسحقونى ثم ذرونى جزءٌ فى البحر وجزءٌ فى البر فأمر الله تعالى فأمر اللهُ تعالى البحرَ أم يؤدى ما فيه والبرَ أن يؤدى ما فيه فشخصَ أمام الله تعالى فقال ما حملك على هذا؟

قال خشيتُك فغفر له.

السؤال يغفرُ للكافر ؟

 الجوابُ لا وهذه مسألة كبيرة جداً تبينُ أن العذر بالجهل من صلب دين ربِ العالمين وليس معنى أننا نعذر بالجهل أننا لا نقيمُ الحجة على هؤلاء الجُهال كما تصوروا بعض الناس هذه المسألة على كلٍ كما قلتُ فصلتُها فى كتابنا (التقاسيم) وإن شاء الله تعالى نُبينُها فى مكانٍ آخر.

لنا وقفة آخرى هنا أن عيسى عليه السلام كان ناصحاً لقومه كان ناصحاً لأمته فقال لهم بعد طلبهم ( قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ ) بمعنى أن طلبكم هذا قد يكونُ فتنةً كبيرةً لكم لذلك بعدها مباشرةً قال المولى عز وجل   (قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ) [سورة المائدة:115]

 انظر فتنة لذلك قال

(فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ)

وهنا فى الحقيقة وقفة لابد منها ألا ترى بأن الله يقول (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ) إذاً عذاب رهيب جداً لا يٌمكن أن يُتصور هذه واحدة سببُ ماذا؟

أن كلَ ما طلبتموه لدفعِ ما توهمتموه من العدم القدرة التامة لله تعالى سنلبيه لكم والسؤال هنا مما لا شك فيه متى انتفت العوارض انتبه للكلام وكُلما قلت أسباب الخيانة وكُلما قلت أسباب الشهوة تجد أن العِقاب يُضاعف كيف هذا؟

 ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم  أنه قال ( ثلاثةٌ لا يُكلمهم الله يومَ القيامة –واحدة – ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم-انظر إلى هذه الثلاثية فى غاية الخطورة من هم؟-ملكٌ كذاب وشيخٌ زانٍ وعائلٌ مستكبر)

عياذاً بالله تعالى ملك كذاب انظر إلى عقابِ هذه الثلاثية أن الله تعالى لا يُكلمه أن الله تعالى لا يُزكيه أن له عذابٌ أليم مع أن الكذب كذبة قد يكذبُ من ليس بملك أو قد أكذبُ أو تكذبُ عوام الناس يكذِبون لما الملك عذابُه بهذه الطريقة مع أنه أتى بنفس المسألةِ الذى جاء بها غيرهُ قلتُ الأمرُ واضحٌ تماماً لأن الملك من أىِ شىءٍ يخاف عنده جنوده تصونه عنده أموالٌ عنده قوة نفاذ عنده أسباب دفع أى ضرر سيأتى عليه إذاً ما الذى يدفعهُ إلى الكذب أما أنا وأنت نسألَ الله السلامة والعافية قد توجدَ عندنا بعضُ الأسباب تدفعنا إلى الكذب فى بعض المواقف كالخوف مثلاً عياذاً بالله تعالى لذلك انظر لم يسوى المولى تعالى فى العقاب بين طائفتين طائفة الملوك وطائفة الرعية كذلك قوله (وشيخٌ زانٍ) شيخٌ طعن فى العمر عياذاً بالله تعالى ولم يبقى منه إلا القليل شهوته ضعيفة مما لا شك فيه يعلمُ أنه أقترب من القبر مع أن الزنى يقعُ من غيره من الشباب ولكن الله تعالى فرق بينهما فى ماذا؟

 فى الحُكم لأن الموانع عند الشيخ كبيرة جداً حتى لا يقعَ فى هذه المشكلة الكبيرة أما الشباب قد نجدُ بعض الأسباب التى تدفعُهم إلى ذلك لذلك تجدُ أن الشارع دائماً وأبداً يفرقُ فى الحُكمِ بين من توفرت فيه الموانع ومن لم يتوفر فيه المانع لذلك انظر إلى حكم مثلاً البكر والبكر يطلق على الرجل والمرأة من غير فرق والثيب يُطلق أيضاً على الرجل والمرأة من غير فرق تجد أن الثيب إذا زنى جلدٌ ورجم والبكرُ جلدٌ فقط لما؟ لأن موانع الوقوع فى الزنى عند الثيب كثيرة جداً شهوتُك لها مصدرٌ تفرغهُ فيها البكر لا وهلم جرا نسألُ الله السلامة والعافية ، كذلك هذا الثالث العجيب وهو (عائل مستكبر) فقيرومستكبر لماذا تستكبر؟

 جاهل وتستكبر لماذا تستكبر؟

 لا توجدَ عندك أسباب بها تستكبر ولكن عياذاً بالله تعالى الذى أُبتلىَّ بالغنى مثلاً الذى أُبتلىَّ بالعلمِ مثلاً قد يدفعانه إلى الإستكبار وهذا أيضاً من قلةِ دينه وعدم العلمِ بما عمِل ولكن مما لا شك فيه الفرقُ بينهما واسعٌ جداً جداً بمعنى أن الفقير المُستكبر عقابُه أشد من الغنىُ المستكبر فى هذه الجزئية لا فى عموم مسألتنا.

 فانظر إلى الحواريين بعدما طلبوا طلبهم وقال عيسى عليه السلام ناصحاً لهم أتقوا الله نصيحةٌ من والد إلى أولاده كما قال صلى الله عليه وسلم  (إنما أنا والد) يريدُ أن ينصحَ أبناءه فيقول لهم ( قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ ) لأن هذا الطلب لو لُبىَّ سيترتب عليه مالا يترتب على الشىء الذى لم يُطلب وهذه فى غاية الخطورة لذلك كانت النتيجة (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ).

ومع صحةِ الآيات التى جاء بها كثيرٌ من الأنبياء فبعضُ أقوامِهم آمنوا بها وبعضُهم كذبَ بها لذلك انظر كيف واسى المولى تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم  فقال له أيضاً (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ) [سورة آل عمران:184] نعم من هؤلاء من آمن وأزداد إيمانُهم ومن هم عياذاً بالله تعالى من كذب فلا يصدُنك هذا التكذيب على أن تتقاعسَ فى تبليغِ الرسالة لنا هنا وقفة أيضاً قبلَ أن ننتقل إلى مسألة آخرى أريدُ أن انبه أن جميعَ الأنبياء إلا نبينا صلى الله عليه وسلم  كلُ نبىٍ جاء ومعهُ بعضُ الآيات التى عليها آمن من آمن من قومه فهُنا أريدُ أن تقفَ عند هذه الجزئية وقفة فى غايةِ الخطورة لأن نبينا صلى الله عليه وسلم  لم يأتى بهذه الآيات أبداً ولم تكن شريعتَهُ قائمة على هذه الأمور الحسية بأىِ وجهٍ من الوجوه ولكن أنا أريدُ أن انبه على شىءٍ حتى تتعلم كيف تردُ على غيرِ المسلمين وعلى المبتدعة الضُلال الذين ينتمون إلى هذه الأمة فمثلاً عيسى عليه السلام يُبرىءُ الأكمهَ والأبرضَ بل ويحى الموتى فهذه هى العُمدة عند من؟

 عند المسيحىَّ يقولون نبينا يفعل كذا وكذا وكذا وهذا أمرٌ عجيب كيف تستدلون بشىءٍ يشتركُ فيه عيسى وغيره بل يشترك فيه الأنبياء وغيرِ الأنبياء لذلك نظائر التى سأذُكرَ بعضها الآن لابد أن تكونَ مُستحضرة عندك فى أى وقتٍ من الأوقات فلو سألنا هذا الذى يدعى هذا الكلام موسى عليه السلام أنتم تقولون بأن عيسى عليه السلام يحى الموتى يعنى كان هذا لميت حياً فمات فأحياهُ انبه للكلام موسى عليه السلام جاء بأعظمَ من ذلك فإن معه عصاه لم تكن حية فى يومٍ من الأيام ولم تمت فحولها إلى حية ماذا تقولون؟

 فجاء بأعظم منها بل عيسى عليه السلام نعم يُبرىءُ الأكمه ويُبرءُ البرصَ وغير ذلك وأنا أسأل تتذكرونَ حديث الغُلام والساحر والراهب هذا الغُلام كان يبرىءُ الاكمه والابصر أم لا ويردُ الأبصرَ أم لا ؟

 كان يردُ الأبصر وهذا من عمومِ الناس وليس نبياً من الأنبياء هذه النظائر لابد وأن تستحضرها فى كلِ وقتٍ حتى تستطيع أن تردَ على أمثالِ هؤلاء عسى الله تعالى أن يجعلك سبباً لإسلامِ أحدٍ من هؤلاء فإنهم يتوهمون توهمات ما أنزل الله تعالى بها من سلطان بل إن إحياء الموتى ليس مقصوراً على الرُسل لا على موسى ولا على عيسى عليهم السلام بل إن عموم الناس قد أحيوا الموتى لذلك ألا ترى فى قصة موسى (فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحى الله لهم الموتى) اُيقال عن هذا ويُعبدَ ونجعلهم أبناء لله تعالى تعالى الله علواً كبيراً كلُ هذه النظائر مع كلِ مسألةٍ لو جُمعتَ فى قلبِك ما استطاع أحدٌ أبداً أن يدخلَ عليك بدعة من هذه البِدع لذلك مثلاً من النظائر هؤلاء الضُلالَ من الأشاعرة وغيرهم يقولون نحنُ لا نثبتُ الصفات الفلانة لماذا؟

 يقول بمنتهى البساطة إذا أثبتناها إذاً أثبتنا لوازمها عند البشر يعنى لو قُلنا أستوى يبقى لازم الإستواء يكون مثل البشر هذا قطعاً جهل فاضح بلغة العرب وبلغة الكتاب وبلغة السنة انتبه لهذه الجزئية سَلْ هذا المسكين ألله ذات أم لا ؟

 سؤال وجواب وليس له إلا واحدة من ثلاث لو قال أن لا ذات له فهو كافر بإجماع المسلمين والمشركين لأنه عدم وإن قال بأن ذاته تشبه ذات المخلوق مثلها كافر بإجماع المسلمين ما بقىَّ أن يثبتَ ذاتاً ولكن لا ندرى كيفها فإن كنتَ أثبت الذات وأنت تقول لا تُشبه المخلوق فهذه الذات لها صفات أثبتها ولا تُشبه المخلوق وهلم جرا انتبه إلى هذه الأشياء أنا أدرى أنكم تعلومنها ولكن من المهم جداً أن نُذكر بها دائماً وأبداً.

 عوداً إلى المُعجزات أقول رى الشيخان أعنى البخارى ومسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  (ما من نبى من الأنبياء –أى كل نبى- إلا وقد أُتى من الآيات ما آمن على مثله البشروإنما كان الذى أُتيته وحياً أوحاه الله إلىَّ فأرجو أن أكون أكثرهم تبعاً يومَ القيامة)

حديثٌ فى غايةِ الأهمية كلُ الأنبياء بلا استثناء جاءوا ببعض الآيات ببعضِ المُعجزات فآمن القوم على هذه الآيات ولكن نبينُا ما جاء بآيات إنما جاء بالوحى إذاً جاء بالعلم فهذا الحديث مقارنةٌ بين ما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم  وما جاء به كلُ من سبقه من الأنبياء ما جاء به الأنبياء معجزاتٌ حسية وما جاء به النبىُ صلى الله عليه وسلم  معجزة الوحى ألا وهو العلمُ من آمن بنبينا أكثرُ من من آمن بجميع الأنبياء مجتمعين قد يقولُ القائل من أين جئت بهذا الكلام؟

 قلتُ روى احمد عن بريدة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم  (أهلُ الجنةِ عشرون ومئةُ صفٍ ثمانون منها من هذه الأمة واربعون من سائر الأمم) يعنى اتباع أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم  ثُلثىّ أهل الجنة ، إذاً صلاحُ هذه الأمة لا يكونُ أبداً إلا بالعلم النافع والعمل الصالح فقد صلُحَ الرعيلُ الأول بالعلم والعمل فكذلك لا قيام لنا إلا بالعلمِ النافع والعمل الصالح يجب أن تعلم ويجب أن تعتقد اعتقاداً جازماً أن تأثيرَ العلم فى الناس أكثيرُ من تأثيرِ الحسيات لذلك أقول فليخسأ أىُ صوفىَّ حيثُ جعلوا قياس الصلاح عياذاً بالله تعالى بالحسيات لا بالعلم وهذه فى غاية الأهمية فانتبه لها ولنا فيها كلام كبير جداً سيأتى إن شاء الله تعالى عن هؤلاء الذين يلتمسون الحسيات فى شريعتنا ويسمونها بالكرامات غير ذلك وسنردُ عليها بالتفصيل إن شاء الله تعالى ، كذلك ما يحضرُنى الآن أنه قيل لعائشة رضي الله عنها أن رجلاً إذا قرأ الآية كذا سقط مغشياً عليه وطبعاً من حوله يعتبرونها كرامة وانه رجل رقيق القلب انظر إلى رد عائشة رضي الله عنها إن كان صادقاً فليقرأها على أجور يعنى يقف على سطح البيت على السور ويقرأها لنرى هل يغمى عليه أم لا وينزل على أم رأسه وتدقُ عنقه ؟

 قطعاً لم ولن يفعل بأى وجهٍ من الوجوه قد يقولُ القائل ولكن أتباعُ الخرافات والخزعبلات من المسلمين أكثرَ من اتباعِ العلم قلتُ أولاً العيبُ فينا لما؟

أنَ المتصدرين للدعوة إلا من رحم الله لا هم لهم إلا الوجاهة بل وقد أعترف كثيرٌ منهم بذلك إما المَقال وإما بالحال نسألُ الله السلامة والعافية وأن ما قاموا به من الدعوة لا تتدعى أنه وعظ فكان البناءُ هشاً لأولِ محنةٍ تقعُ وياليتهم تركوا من يُعلم الناس على طريقةِ سلفَ هذه الأمة كانوا يتعلمون يحفظون كتابَ الله وسنةَ نبيه صلى الله عليه وسلم  كانوا يتعلمون آيات النظر والاستدلال من لغة العرب من أصول الفقه من أصول الحديث من أصول التفسير من علوم القرآن من أصول الفهم وغير ذلك من آلات النظر والاستدلال بل لا شُغلَ لهم إلا الكلام فى قطعةٍ بسيطة جداً يعيدون ويزيدون فيها بل والله كانوا هؤلاء عياذاً بالله أكثر أثراً سيئاً على من يُعلمونَ الناس من أهل البدع والضلال كان أثرهم أقل بكثيرٍ كضررٍ على هؤلاء.

انحطاط الثقافة الإسلامية عند عوام الناس لما؟

لأن المتصدريين أيضاً إلا من رحم الله لم يقوموا بما أوجبه الله تعالى عليهم فأخذا الناس دينهم من المسلسلات والأفلام بدعوى مسلسل هادف فيلمٌ هادف مع أن الله تعالى من فوق سبع سماوات يقول (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) [سورة يوسف:3]

النبى صلى الله عليه وسلم  خرج فوجدَ أصحابهُ يلتفون حول رجلٍ فقال ما هذا ؟

 قالوا يقصُ يعنى من أخبار الأمم فقال صلى الله عليه وسلم  إن الله تعالى يقول (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) ما من فائدةٍ ما من خيرٍ فى أى قصة لم ترد فى كتاب اللهتعالى ولا فى سنة النبى صلى الله عليه وسلم  إلا وهذا الخير موجود فى كتاب الله وفى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم  وكل شرٍ عندهم ليس عندنا منه شىء فأنتبه واشغل نفسك بسيرة النبى صلى الله عليه وسلم  وسيرة أصحابه وعليه المعجزاتُ على طول الزمان من لدُن آدم عليه السلام تُستخدمُ على إثباتِ وجودِ الله تعالى من غيرِ نكيرٍ من المسلمين ومن الكافرين ، لكن أهلُ الكلام ومنهم الأشاعرة لا عناية لهم بذلك بل والله وقع تحت عينى كلاماً يعنى يأتى بالغثيان تصوروا أن الغزالى ماذا يقول؟ من لم يشك – فى وجود الله – لم ينظر ومن لم ينظر لم يُبصر من لم يُبصر فهو أعمى وضال –يعنى جعل الوصول إلى وجود الله تعالى يجبُ أولاً أن تشكَ فى وجود الله طيب بعد الشك ننظر فى ماذا؟

فى الحوادث الكونُ حادث وكل حادث له مُحدث إذاً الكونُ له مُحدث وإن لم تفعل ذلك فعلى كلامهم فأنت أعمى وأنت ضال نسأل الله السلامة والعافية وأنا أكفرُ بهذا الكلام ، الأشاعرة لا عنايةَ لهم بذلك بل مقالُهم ينطقُ بأن معجزات الأنبياء لا تسوقُ إلى إثباتِ وجودِ الله تعالى وأنه لا طريقَ البتة إلا الحدوث والقدِم كما بينتُ ذلك آنفاً إلى هنا ينتهى الدليل الرابع.

 ولكن قبل أن أختم هذه المحاضرة أريدُ أن انبه على جزئية كثيرٌ من الناس فى هذه الأيام خرجوا علينا ويقولون منطوقاً لا مفهوماً متبجحين مُعتدين بأنَ أهلَ السنةِ والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية هذا منطوق كلامِهم وأنا لا أدرى أهؤلاء جُهال لا يقرأون هؤلاء يكذبون أمرٌ فى غايةِ الغرابة أناأقول لهم أرجعوا إلى كلام السبكى الأشعرى بل المُتعصب فهو يقول (أنى أستهجنُ الماتريدية من الحنفية الذين لا يُجوزون الصلاةَ خلف الأشاعرة ويكفرونهم ) فكيف تكون الأشعرية والماتريدية هما أهل السنة !!

أهل السنة فى زماننا هذا مسلمٌ مع غير المسلمين كأن الماتردية تكفركم ولا تُجوز الصلاة خلفكم فهذه أكذوبة لا أساس لها فى العلم لا من كلامِنا بل من كلام الأشاعرة أنفسِهم وإن شئت فعُد إلى محاضرات الأشاعرة قد ترى فيها هذا الكلام. 

أكتفى بهذا القدر وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وجزاكم الله خيراً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.