نماذج على توحيد مصدر التلقي

بطاقات دعوية

بسم الله الرحمن الرحيم

إِنِّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْر أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ.

هٰذِه المُحاضرة هِيَ السَّادِسة من (عِلْم العقيدة)، وما زال الحَدِيْث مُتصلًا والتمهيد، فتكملت في المُحاضرة السابقة عَنْ أهمية عِلْم العقيدة، فبينتُ حال الجزيرة الْعَرَبِيَّة الدِّينية عندما بُعث النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم ، كان هناك مُشركون، نصارى، يهود، فُرس، وكُلهم اجتمعوا عَلَىٰ أصلين، وإن اختلفت المُسميات:

الأصل اَلْأَوَّل: الشِّرْك بالله عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ.

الأصل الْثَّانِي: تحكيم العقول عَلَىٰ ما ورد من كِتَاب الله عزوجل  وما ورد من سُّنَّة نبيه صلى الله عليه و سلم ، أو تحكيم العُلَمَاء الأحبار الرُهبان وغير ذَلِكَ.

وهذان الأصلان هما سبب الفساد والانحلال في أي مُجتمعٍ؛ وبهذا تبين الداء وَهُوَ الشِّرْك بالله وتحكيم غَيْر ما وَرد عَنْ الله عزوجل  وعن رَسُوله صلى الله عليه و سلم .

فجاء النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم  بالدواء، وَهُما أصلان يهدمان الأصلين السابقين:

الأصل اَلْأَوَّل: توحيد الله عزوجل  وَهٰذَا ضِد الشِّرْك بالله.

الأصل الْثَّانِي: أَن الله هُوَ الحَكم ومن الحُكم ولا مُعقِب لحُكمه.

وهذان الأصلان هما سبب الصلاح والنجاح، سبب الائتلاف لا الافتراق، وقُلنا بعد ذَلِكَ: ومن هنا تتجلى أهمية دراسة عِلْم العقيدة في توحيد الصف وفي جمع الشمل.

عزوجل  واليوم إِنْ شَاءَ اللهُ أُبين بعض النماذج الإصلاحية الَّتِي بثها النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم  في الناس:

فقضيتنا الأُوْلَى اليوم: توحيد مصدر التَّلَقِّي، وكما بينت فيما سبق: أَن مصدر التَّلَقِّي كِتَابٌ وَسُّنَّةٌ وإجماعٌ وقياس الأَّولى وَذَلِكَ في القضية، توحيد مصدر التَّلَقِّي وَهٰذَا بنص كِتَاب الله عزوجل , وبنص سُّنَّة نَبِيِّنَا صلى الله عليه و سلم .

فَأَمَّا الآيات فكثيرة قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ 57﴾ [الأنعام: 57]، إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ هٰذِه العبارةُ هٰذِه الجُملة تُسمى في لُّغَة الْعَرَب بالاستثناء المُفرغ، إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أي لو حذفت إن وأداة الاستثناء الْكَلَام الْحُكْمُ لِلَّهِ عَلَىٰ وزِان الحَمْدُ للهِ أي الحَمْدُ مُستحقٌ للهِ وكذلك هنا الحُكم مُستحقٌ لله عزوجل ، فليس لأحدٍ أَن ينازع الله تبارك و تعالى  في حُكمٍ حَكم بِهِ، سواءٌ أكان في الْمَسَائِل الْعِلْمية أم في الْمَسَائِل العملية.

الله عزوجل  يَقُول: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ 57﴾ [الأنعام: 57]؛ إِذًاْ ما يقضي بِهِ الله تبارك و تعالى  هُوَ الحق لا غَيْر لذلك قَالَ: ﴿لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ 41﴾ [الرعد: 41]، فيستحيل أَن يتضمن باطلًا بأي وجهٍ من الوجوه، لِأَنَّ الْكَلَام إن تضمن باطلًا حُق التعقيب، وحيث نفى الله تبارك و تعالى  التعقيب عَلَىٰ حُكمه تبين معنى قوله تَعَالَىٰ: ﴿يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ 57﴾ [الأنعام: 57].

فالله عزوجل  هُوَ الحاكم هُوَ الَّذِي يفصل بين المُتنازعين، وأن ما قضاه الله عزوجل  ما يكون إِلَّا حقًا، فكيف بعد ذَلِكَ يستبيح أحدٌ أَن يُقدم رأيه عَلَىٰ النَّصّ من كِتَاب الله ومن سُّنَّة رَسُول الله؟ كيف يستبيح أحدٌ أَن يُقدم كلام العُلَمَاء الهُداة عَلَىٰ نصٍ من كِتَابٍ أو سُّنَّة إن خالف النَّصّ؟

فما بالك بمن يُقدم رأي الفلاسفة الملاحدة الزنادقة عَلَىٰ كِتَاب الله وعَلَىٰ سُّنَّة رَسُول الله صلى الله عليه و سلم ؟ أَّما قَالَ تَعَالَىٰ في الآية السادسة والثلاثين من سورة الأحزاب: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا 36﴾ [الأحزاب: 36]؟

أُؤكد هٰذَا الْمَعْنَى بآية يوسف قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ 40﴾ [يوسف: 40]، إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ الحُكم مُستحقٌ لله وَفَقَطْ لا يحل لأحدٍ أَن يُنازع الله تبارك و تعالى  في ذَلِكَ وحُكم الله هُوَ أَنَّهُ بأن لا نعبد إِلَّا إياه تبارك و تعالى .

وعبادة الله عزوجل  أو الْعِبَادَة ما معناها؟ "اسمٌ جامع لكُل ما يُحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة"، فَإِن كانت هٰذِه هِيَ الْعِبَادَة إِذًاْ شَملت الْأَحْكَام الْعِلْمية الْمَسَائِل الْعِلْمية، الْأَحْكَام العملية الْمَسَائِل العملية من غَيْر فرقٍ.

ثُمَّ يؤكد اللهُ تبارك و تعالى  ذَلِكَ بقوله: ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ 40﴾ [يوسف: 40]، ذَلِكَ أي ما سبق الدِّينُ الْقَيِّمُ، أي أَن الدِّينُ الْقَيِّمُ أَن تُسلِم بأن الحاكم هُوَ الله تبارك و تعالى ، وأن الحُكم من عند الله تبارك و تعالى ، وأن ما قاله المولى عزوجل  هُوَ عِبَادَة الله عزوجل ، بمعنى نعبد الله بِمَا قَالَ عَلَىٰ تفصيلٍ معروفٍ في مكانه.

لذلك يَقُول المولى تبارك و تعالى : ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا 65﴾ [النساء: 65]، هٰذِه الآية تحتاج إِلَىٰ مُحاضرات لبيان ما فيها.

انظر استهل الله تبارك و تعالى  هٰذِه الآية بأن أقسم بذاته المُقدسة، إِذًاْ المُقَسم عَلَيْهِ أمرٌ جَلَلْ أمرٌ عظيم يُقسم المولى تبارك و تعالى  بذاته المُقدسة إِذًاْ تبين أَن المقسوم عَلَيْهِ شيءٌ جَلَلْ: ﴿لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ 65﴾ [النساء: 65].

إِذًاْ عدم التحاكم إِلَىٰ كِتَاب الله وَإِلَىٰ سُّنَّة رَسُول الله صلى الله عليه و سلم  بلا مانعٍ أي قادرٌ عَلَىٰ تحكيم الْكِتَاب وَالسُّنَّة؛ مِمَّا لَا شَكَّ فيه هٰذِه تطعن في إيمانك بالله عزوجل  وفي إيمانك باليوم الآَخَر.

فَقَطْ لئن تحاكمت وحاكمت بكتاب الله وَسُّنَّة رَسُول الله صلى الله عليه و سلم  يجب أَن ينتفي الحَرج من نفسك، بمعنى قَدْ يكون الحُكم عَلَىٰ غَيْر ما تهواه وعَلَىٰ غَيْر ما تُريده فإياك أَن تقع في هٰذَا الحَرج؛ بل وجب عليك أَن تنظر في بقية الآية كما قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا 65﴾ [النساء: 65]، تمتثل بقول الله عزوجل  وتعتقده اعتقادًا جازمًا تَحْتَ العنوان الكبير سمعنا وأطعنا.

 

فأين أهل الْبِدَع والضلال من هٰذِه الآيات كيف يُطبقونها في أعز شيءٍ عند الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ ما كان في حق الله في حق ذاته تبارك و تعالى ؟ لذلك أُذكر نفسي وَإِيَّاكُمْ بآية النور يَقُول المولى تبارك و تعالى : ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 51﴾ [النور: 51].

﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ 51﴾ [النور: 51]، إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ ولم يقل: إِنَّمَا كَانَ قَوْلُ الْمُؤْمِنِينَ أتدري لِمَ؟ لِأَنَّ قَوْلَ هنا خبر مُقدر فَإِن سألت عَنْ اسم كان هُوَ المصدر المؤول من أَنْ يَقُولُوا، إِنَّمَا كَانَ قَوْلَهم سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا قَوْلَ المُؤْمِنِيْنَ، انبته إِلَىٰ هٰذِه فإنها مُهمة.

وَقَدْ أشار النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم  في سُّنَّته إِلَىٰ توحيد مصدر التَّلَقِّي، كما روى أحمد رحمه الله  عَنْ العِرباض بْنَ ساريةرضي الله عنهقَالَ: قَالَ صلى الله عليه و سلم : «لَقَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ بَعْدِي عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ».

فَبِقدر ترك الْكِتَاب وَالسُّنَّة بِقدر الهلاك، سواءٌ أكان في الْأَحْكَام الْعِلْمية أو الْأَحْكَام العملية، وإياك أَن تظن أنك تُحل ما أحل الله وتُحرم ما حرم الله وعقيدتك فاسدة هٰذَا يستحيل، فَإِن القلب أصلٌ والبدنُ فرعٌ منه، فيستحيل أَن يستقيم الفرع والأصل فاسدٌ، هٰذَا كلام لا يدخل عَلَىٰ بليد نَسأَلُ اللهَ السَّلامَة والعَافِيَةَ.

أُؤكد بِمَا رواه التِّرْمِذِيّ رحمه الله  عَنْ المِقدام بْنَ مَعدِ كَرِبْرضي الله عنهقَالَ: قَالَ صلى الله عليه و سلم : «يُوشِكُ أحَدِكُم أَن يتَكِئَ عَلَىٰ أَرِيكَتِهِ وَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ, فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ, وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ , ألا وَإِنَّي أُحرم كمَا حَرَّمَ الله ألا إن كُل ذي نابٍ من السِباع حرام»، الحَدِيْث.

أمرٌ في غاية الخطورة فَإِنَّ نَبِيِّنَا صلى الله عليه و سلم  يُحرِم ما حرم الله ويُحِلُ ما أحل الله تبارك و تعالى  سواءٌ بسواء؛ وإياك أَن تَقُول: هٰذَا النَّصّ في الحلال والحرام وهما من الْفِقْه وليس من العقيدة كيف ذَلِكَ؟ وَمَتَىٰ انفك الحلال والحرام عَنْ العقيدة؟ قُلْنَا: من قليل القلب أصلٌ والجوارح فرعٌ فَإِنَّ صَلُح هٰذَا الأصل صَلُح الفرع بحسبه كما هُوَ معلومٌ في مكانه.

 

عزوجل لذلك أذكر بعض النماذج الَّتِي بينها النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم  لبيان توحيد مصدر التَّلَقِّي:

النموذج اَلْأَوَّل: روى أحمد رحمه الله  عَنْ جابرٍ ابْن عبد الله ¶ قَالَ: إن عُمَر بْنَ الْخَطَّابِ أتى النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم  بكتابٍ أصابه من بعض أهل الْكِتَاب، يَعْنِي يقصد بعض صُحف من التوراة فقرأه النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم  فغضب، فَقَالَ: «أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا، مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي»، الحَدِيْث.

هٰذِه الرواية الَّتِي ذكرتها رواها ابْن كثير في (البداية والنهاية)، وَهِيَ عَلَىٰ شرط مُسْلِمٍ رحمه الله  يَعْنِي من طريق رجال مُسْلِم.

وبعيدًا عَنْ رواية ابْن كثير فَهٰذَا الحَدِيْثُ حسنٌ بمُجموع طُرقه كما بَيَّنَّا ذَلِكَ في مكانه.

شيءٌ مُهم هنا فقرأه النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم ، قَدْ يَقُول القائل: وهل كان النَّبِيّ يقرأ؟ النَّبِيّ كان لا يقرأ، طيب كيف قَالَ: فقرأه النَّبِيّ؟ اعلم يرحمك الله أَن الملك الَّذِي له جنود إذا أمروا الجنود بشيءٍ جاز أَن ينسبه لنفسه، وَهٰذِه بيناها بعشرات الأمثلة من كِتَاب الله عزوجل  ومن سُّنَّة نَبِيِّنَا صلى الله عليه و سلم .

﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا 42﴾ [الزمر: 42]، من الَّذِي يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ؟ ملك الْمَوْت ولكن لا يعمل إِلَّا بأمر الله، فجاز أَن يُنسب ذَلِكَ إِلَىٰ الله عَلَىٰ تفصيلٍ في مكانه.

ثُمَّ قَالَ: «أَمُتَهَوِّكُونَ»، الهمزة هنا تُسمى بهمزة الاستفهام؛ ولكنها تضمنت استنكارًا شديدًا وزجرًا شديدًا لعُمَر بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه.

مُتَهَوِّكُونَ أي مُتحيرون فيها أي في هٰذِه الرِّسَالَة الَّتِي جئتكم بها.

 

هذَا الحَدِيْث يُبين قَضَايَا في غاية الخطورة:

أَوَّل هٰذِه الْقَضَايَا: أَن طلب الهُدى لا يكون أبدًا إِلَّا من طريق النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم ؛ وبهذا وَحد مصدر التَّلَقِّي.

أَن طلب الهُدى لا يكون أبدًا إِلَّا من كِتَاب الله عزوجل  ومن سُّنَّة نَبِيِّه صلى الله عليه و سلم  عَلَىٰ تفصيلٍ قَدْ سبق.

ولا تطلب حقًا من كُتب أهل الْكِتَاب وَهِيَ حديثة عهدٍ بتحريفٍ أيام النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم  فكيف بها الآن؟ أمرٌ عجيب! مِمَّا لا شَكَّ فيه زاد التحريف تحريفًا وفوق التحريفِ تحريفُ.

هٰذَا الحَدِيْثُ فيه إشارةٌ خطيرة بِأَنَّهُ لا يَجُوز البتة أَن تقرأ كُتب أهل الْبِدَع ولا أَن تبيعها وأن تشتريها، ولا يَجُوز ذَلِكَ إِلَّا بشروطٍ قاسية:

أَوَّل هٰذِه الشروط: لا يحل لك أَن تقرأ مذاهب أهل الْبِدَع وأخص بالذِّكْر أهل الْكَلَام إِلَّا بعد دِراسة مذهب أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، وأن تهضمه وتستوعبه حَتَّىٰ لا يُلبس عليك.

الشرط الْثَّانِي: القَصدُ من قراءة كُتب أهل الْبِدَع كالأَشَاعِرَةِ والمَاتُرِيْدِيَّةِ ومن تحتهم هُوَ نقضها وبيان عورها، إِذًاْ يجب عليك أَن تعتقد ابتداءً أنها من الباطل بمكان، لِأَنَّ ما يقولونه لَيْسَ من التنزيل في شيءٍ لا في كِتَابٍ ولا في سُّنَّةٍ.

بل الموجود في الْكِتَاب وَالسُّنَّة عَلَىٰ خِلاف ذَلِكَ البتة، ولا تكون هٰذِه القراءة لكُتب أهل الْبِدَع إِلَّا عَلَىٰ أيدي عُلَمَاء السُّنَّة، فإنهم أخَبرُ بِمَا فيها من ألاعيب ودسٍ للسُم في العسل.

لا يَجُوزُ بنص هٰذَا الحَدِيْث توجيه الأسئلة إِلَىٰ عُلَمَاء المُبتدعة، إن كان لا يَجُوز أَن تسأل أهل الْكِتَاب، فكيف يَجُوز أَن تسأل من دينه من أفلاطون وسُقراط وبُقراط وفيثاغورث وغيرهم من الزنادقة؟

لا يحل لك أَن تُوجه الأسئلة إِلَىٰ هَؤُلَاءِ لأننا أُمرنا بتوجيه الأسئلة إِلَىٰ أهل الْعِلْم، انتبه الَّذِينَ يفتون بكتاب الله وَبِسُّنَّة رَسُول الله صلى الله عليه و سلم  كما في آية النحل: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ 43﴾ [النحل: 43].

ألا تلَحظ أَن الله عزوجل  قَالَ: ﴿أَهْلَ الذِّكْرِ 43﴾ [النحل: 43]، ولم يقل: أهل الْعِلْم؟ لِأَنَّ أهل الْعِلْم صِنفان:

| منهم من يعتمد الذِّكْر وَهُوَ الْكِتَاب وَالسُّنَّة.

| ومنهم من يعتمد غَيْر ذَلِكَ عَلَىٰ تفصيلٍ سبق.

إِذًاْ الله عزوجل  أمرك أَن تُوجه السؤال إِلَىٰ أهل الذِّكْر إِلَىٰ أهل الْكِتَاب وَالسُّنَّة؛ ومعلومٌ أَن أهل الْبِدَع قاطبة لا يُحكِمون لا كِتَابًا ولا سُّنَّة؛ بل إن قِيلَ لَهُمْ:﴿تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا 61﴾ [النساء: 61].

انظر إِلَىٰ علامة النِّفَاق الكُبرى الله عزوجل  يَقُول: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ 61﴾ [النساء: 61]، ندعوا الأَشَاعِرَةِ، ندعوا المَاتُرِيْدِيَّةِ، ندعوا الضُلال من كُل الفِرق: هيا إِلَىٰ كِتَاب الله عزوجل  إِلَىٰ سُّنَّة نبيه صلى الله عليه و سلم  وضع العراقيل وجعل ظاهر الْقُرْآن أي اعتماده أصلٌ من أصول الكُفر، مع أَن ظاهر الْقُرْآن مُجمعٌ عَلَىٰ وجوب الأخذ بِهِ كما نقل الشوكاني رحمه الله  في (إرشاد الفحول).

هَؤُلَاءِ لهم سَّلَف هٰذَا الصِنف من الناس لهم سَّلَف؛ لذلك المولى يَقُول: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا 104﴾ [المائدة: 104]؛ ومن هنا علمت عِلْم اليقين لِمَ قَالَ الرازي: الإِمَام أفلاطون، هَؤُلَاءِ هم سلفهم وعقيدتهم هِيَ عقيدتهم من غَيْر فرقٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ في كلامنا عَنْ الأَشَاعِرَةِ.

بل هٰذَا الحَدِيْث العظيم نهانا عَنْ اتباع أئمة الهُدى فِيمَا خالفوا فيه النَّصّ الشَّرْعِي، وَعَلَيْهِ تم توحيد مصدر التَّلَقِّي، فلا تلقي إِلَّا من الوحي المُنزل لا تلقي إِلَّا من كِتَاب الله ومن سُّنَّة رَسُول الله صلى الله عليه و سلم .

 

Å وهنا وقفة في غاية الخطورة:

الَّذِي فَعله عُمَر هٰذَا لازمه عدم الرضا بِمَا جاء بِهِ النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم ، لازمه أَن هٰذِه الرِّسَالَة ناقصة ويُريد أَن يُكملها من صُحِف التوراة.

وهنا وقفة: الَّذِي فَعله عُمَر هٰذَا عَنْ عِلْمٍ أم عَنْ جهل؟ مِمَّا لَا شَكَّ فيه عَنْ جَهل؛ لذلك هٰذَا الحَدِيْث نصٌ في أَن العُذر بالجهل من صُلب دين رب العالمين، ولا يحل لمُسْلِمٍ أَن يتعرض لأحدٍ وقع في مثل ذَلِكَ بِالتَّكْفِيرِ ابتداءً؛ بل يجب عَلَيْهِ أن يستكشفه كما سأُبين هٰذِه الْمَسْأَلَة في المُوقظات القادمة إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَىٰ.

النموذج الْثَّانِي أخطر من هٰذَا النموذج: حديثٌ رواه أحمد رحمه الله  عَنْ أُم العلاء ▲ قَالَتْ: اشتكى عُثمان بْنَ مظعونرضي الله عنهاشتكى عندنا فمرضناه أي قُمنا برعايته وتمريضه، حَتَّىٰ إذا تُوفي والكلام لأُم العلاء أدرجناه في أثوابه فدخل عَلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عليه و سلم  فَقُلْت والقائلة أُم العلاء: "رحمة الله عليك يا أبى السائب"، اللي ابْن مظعون وانتبه لخطورة الْكَلَام: "شهادتي عليك لقد أكرمك الله".

فَزِع النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم  عند هٰذِه الْكَلِمَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه و سلم : «وما يُدرِيك أَن الله أكرمه؟»، من أين جئت بهذا الْكَلَام؟ قَالَتْ: فَقُلْت: لا أدري بأبي وأُمي، إِذًاْ هِيَ تتكلم بغير عِلْم، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه و سلم : «أَمَّا هُوَ فقد جاءه اليقين من ربه وإني لأرجوا له الخير»، ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه و سلم : «والله ما أدري وأنا رَسُول الله ما يُفعَل بِهِ».

قَالَ يعقوب: قَالَتْ أُم العلاء: "والله لا أُزكي أحدًا بعده أبدًا"، فأحزنني ذَلِكَ فنمت فأُريت لعُثمان عينًا تجري، يَعْنِي رأت رؤية أَن عُثمان له عينًا تجري فجئت رَسُول الله صلى الله عليه و سلم  فأخبرته ذَلِكَ فَقَالَ صلى الله عليه و سلم : «ذاك عَمله».

وجه الاستدلال من هٰذَا الحَدِيْث قوله صلى الله عليه و سلم : «وما يُدرِيك أَن الله أكرمه؟»، ما المصدر الَّذِي جئتِ منه بهذا الْكَلَام؟ انظر كيف سأل النَّبِيُ صلى الله عليه و سلم  عَنْ مصدر التَّلَقِّي من أين جئتِ بهذا الْكَلَام؟

لذلك أيُ أحدٍ يَقُول قولةً في عقيدةٍ في أمرٍ في نهي لَا بُدَّ وأن تسأله: من أين جئت بهذا الْكَلَام؟ يوجد نصٌ في ذَلِكَ أم من تقي الدِّين أفلاطون؟ أمرٌ عجيب! وفي نفس الوقت هٰذَا السؤال تنقية للِسان من آفة التكلم بغير عِلْم، في نفس الوقت هٰذَا السؤال تنقية للجِنان حَيْثُ قَالَت: "والله لا أُزكي أحدًا بعده أبدًا".

قوله صلى الله عليه و سلم : «والله ما أدري وأنا رَسُول الله ما يُفعَل بِهِ»، فَهٰذَا نصٌ للفصل انتبه للكلام: بين أحوال الدُّنْيَا وأحوال الْآخِرَة بمعنى لا تحكموا بِمَا ظهر من الْمُسْلِم من خير أَنَّهُ في الْآخِرَة من أهل الخير، فالظاهر لإجراء الْأَحْكَام الدنيوية وَفَقَطْ؛ وَأَمَّا الْآخِرَة فعِلْمها عند الله عزوجل .

أَّما سمعت قول النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم  فِيمَا رواه مُسْلِمٌ عَنْ سهلٍ بْنَ سعد الساعدي رضي الله عنه: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؛ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ».

إِذًاْ العِبْرَة بالخواتيم ومن هنا تعلم لا أقول: ضلال نُخفف القول بخطأ من مات الشهيد الفُلاني وما يُدريك أَنَّهُ شهيد؟ من أين جئت بهذا الْكَلَام؟ فَإِنَّ قُلْت: أَنَّهُ يُجاهد قُلْنَا: صدقت، إن قُلْت: في سَبِيل الله قُلْنَا: من أين لك؟ في سَبِيل الله إِذًاْ معناها أنك اطلعت عَلَىٰ قلبه وعلمت مُراده وعلمت قصده وعلمت نيته، من أين لك هٰذَا؟

أمرٌ في غاية الخطورة: يا أخي قُلْ: أسأل الله أَن يتقبله شهيدًا ونحو هٰذِه الألفاظ، لِمَ تُقحم نفسك في شيءٍ لا تستطيع أَن تُجيب عَلَيْهِ، لو سألت وما يُدريك أَن الله قبله شهيدًا مَاذَا أنت قائلٌ؟

مَسْأَلَةٌ في غاية الخطورة في هٰذَا الحَدِيْث: لازم كلام أُم العلاء أنها يُوحى إِلَيْهَا، إِذًاْ من أين أتت بهذا الْكَلَام؟ وَهٰذَا كُفرٌ صريح، انتبه أقال النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم  لها: أنتِ كافرة؟ كلا؛ بل استكشفها بقوله: «وما يُدرِيكِ؟»، وعلمها.

فَإِن تبين لك ما سبق فَإِنَّ العُذر بالجهل من صُلب دين رب العالمين، يجب أَن تستكشف الناس إن قَالُوا كُفرًا استكشف الناس أعني الْمُسْلِمِينَ، إن فعلوا كُفرًا استكشف الناس لعلك تسمع شَيْئًا لا تدريه، فلا تُسلِط لسانك كما سيأتي إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَىٰ.

الله من فوق سبع سماوات يَقُول للرجل: «ما حملك عَلَىٰ هٰذَا؟».

فَالنَّبِيّ صلى الله عليه و سلم  يَقُول لسواد: «ما حملك عَلَىٰ هٰذَا؟».

عُمَررضي الله عنهيَقُول لأحد الصَّحَابَة: «ما حملك عَلَىٰ هٰذَا؟» يستكشف الناس.

رَحِم الله ابْن قيم الجوزية حَيْثُ قَالَ: "فسُبْحَانَ اللَّهِ! كم من حزازةٍ في نفوس كثير من الناس من كثيرٍ من النصوص"، أي والله توجد في قلوبهم حزازة: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى 5﴾ [طه: 5]، يتمنى أنها تُمحى من المُصحف.

قَالَ: "وبودِهم أَن لو لم تَرِد؟ وكم من حرارةٍ في أكبادهم منها، وكم من شجى في حلوقهم منها ومن موردها؟ ستبدو لهم تِلْكَ السرائر بِالَّذِي يسوء ويخزي يوم تُبلى السرائر"، أمرٌ عجب مِمَّا لَا شَكَّ فيه!

النموذج الْثَّالِث: أرجوا الصبر النماذج بالمئات اخترت منها بضِعًا فاتقوا الله عزوجل  واصبروا فَالْمَسْأَلَةُ من العظمة بمكان: "توحيد مصدر التَّلَقِّي"، هُوَ الَّذِي يُوحِد القلوب وعَلَىٰ إثرها تتوحد الأبدان وقبل ذَلِكَ لا تلومن إِلَّا نفسك.

روى الطبراني رحمه الله  في (الكبير) عَنْ عَدي بْنَ حاتمرضي الله عنهقَالَ: أتيتُ النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم  وفي عُنقي صليبٌ من ذهب، لِأَنَّ هرب وذهب إِلَىٰ الروم وتنصر هناك، فأرسلت له أُخته فعاد، أتيتُ النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم  وفي عُنقي صليبٌ من ذهب، فَقَالَ صلى الله عليه و سلم : «يا عدي اطرح هٰذَا الوثن من عُنِقكِ».

انظر إِلَىٰ الامتثال قَالَ: فطرحته، فانتهيت إليه، انتبه إِذًاْ قبل أَن يصل إِلَىٰ الموضع الَّذِي يجلس فيه النَّبِيّ قَالَ له النَّبِيّ من بُعد: «يا عدي اطرح هٰذَا الوثن من عُنِقكِ»، فطرحته فانتهيت إليه أي وصلت إِلَىٰ المكان الَّذِي يجلس فيه النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم  وَهُوَ يقرأ سورة براءة.

فقرأ هٰذِه الآية أي النَّبِيّ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ 31﴾ [التوبة: 31]، حَتَّىٰ فرغ منها فَقُلْت أي عدي قَالَ للنبي: إنا لسنا نعبدهم، انظر ماذا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم ؟ فَقَالَ: «أليس يُحرمون ما أحل الله فَتُحرمونه؟ ويُحلون ما حرم الله فتستحلونه؟»، قُلْت أي عدي: بلى، قَالَ صلى الله عليه و سلم : «فتلك عبادتهم».

انظر إِذًاْ عِبَادَة الله عزوجل  داخلة فيها العقيدة داخلة فيها الحلال والحرام، فمن زعم خِلاف ذَلِكَ فهو لا يدري ما الْكِتَاب ولا يدري ما السُّنَّة؛ بل ولا في عقله مِسكة من عقلٍ ليفهم مثل هٰذَا الْكَلَام الَّذِي يفهمه الصِبيان في الحارة، أمرٌ في غاية الخطورة.

وجه الاستدلال من هٰذَا الحَدِيْث: أَن التَّحْلِيْل وَالتَّحْرِيْم دون إذن الله عزوجل  تحكيمٌ لغير الله؛ بل عِبادةٌ من دون الله عزوجل : ﴿آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ 59﴾ [يونس: 59]؟ فكُل شيءٍ خالف الْكِتَاب وَالسُّنَّة لَيْسَ بكاذب بل هٰذَا افتراء وَهِيَ رُتبةٌ من الكذب رُتبة العمد عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ.

انظر إِلَىٰ صورةٍ من صور الامتثال لصحابة رَسُول الله صلى الله عليه و سلم : "فطرحته"، رماه وهنا وقفة كبيرة جِدًّا: أولًا: سمى النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم  الصليب وثن وَهٰذِه مَسْأَلَة لها مكانٌ آخر.

قوله: "فطرحته"، أنا أظن واللهُ أَعْلَمُ لو واحد أسلم في هٰذِه الأيام وكان في عُنقه صليب وَقُلْت له: ارميه مُمكن يجري عَلَيْهِ نصف الكرة الأرضية ويقولون: نذوبه ونستعمله! لا والله ما قَالَ هٰذَا عَدي ولا فعله ولا قاله أحدٌ من أصحاب رَسُول الله صلى الله عليه و سلم  ولا فعلوه ولكن جعلوا التُّرَاب يأكله؛ انظروا إِلَىٰ الامتثال فإنها مراتبٌ عالية لا يقدر عليها إِلَّا الكِبار.

توحيد مصدر التَّلَقِّي النموذج الرَّابِع: روى البُخَارِيّ رحمه الله  أَن النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم  ومعه جماعة ذهبوا إِلَىٰ ابْن صياد، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه و سلم  لابن صياد: «لقد خَبَّأْتُ لَكَ خِبْئًا»؛ انظر فقَالَ ابْن صياد: هُوَ الدُّخُّ، فقَالَ: «اخْسَأْ فلن تعدوا قَدرك».

يَعْنِي يُريد أن يَقُول للنبي: أنا عارف ما الَّذِي خبأته لي، هل تعرف ماذا يقصد بالدُّخُّ؟ سورة الدُّخُّان، فلم يقدر أَن ينطقها كُلها، لا يستطيع أحدٌ عَلَىٰ وجه هٰذِه الْأَرْض أَن يَقُول باطلًا ولا يكون فيه من العلامات والأمارات ما يدل عَلَىٰ بُطلانه: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا 82﴾ [النساء: 82].

فما من شيءٍ إِلَّا وله طرفان ووسَط، فالكلام الَّذِي لَيْسَ من عِند الله، الْأَحْكَام الَّتِي لَيْسَت من عند الله لَا بُدَّ أن أحد الطرفين يُناقض الآَخَر، وأن وَسط الْكَلَام يُكذب الطرفين، هٰذِه قضية لا تحتاج إِلَىٰ كثيرٍ من الْكَلَام.

والمُراد من قوله صلى الله عليه و سلم : «فلن تعدوا قَدرك»، أي لَنْ تُجاوز مِقدار الكُهان، كلامك هٰذَا هِيَ سَرِقةٌ من سِرِقات الجن أُلقيت عليك؛ ولكن هٰذَا الحَدِيْث فيه أمرٌ خطير أَن ما شاءه الله كان وإن لم يشاءه العالمون، وما شاءه العالمون لم ولن يكون حَتَّىٰ يشاءه الله تبارك و تعالى .

لا يستطيع أحدٌ البتة أن يعلم الحق إِلَّا عَنْ طريق نَبِيِّنَا صلى الله عليه و سلم ؛ لذلك ابْن صياد لم يقدر عَلَىٰ إتمام نُطق المطلوب وَهُوَ الدُخان فَقَالَ: الدُخُ؛ ولذلك قَالَ صلى الله عليه و سلم  له بعد ذَلِكَ: «كيف ترى؟»، أنت ما الَّذِي تراه؟ قَالَ: يأتيني أحيانًا صادقٌ وكذاب، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه و سلم : «لقد لُبِسَ عَلَيْهِ».

هٰذَا مِمَّا لَا شَكَّ فيه الصادق والكذاب هما الشيطان، يقولون له كَلِمَة من الصِدق استرقوها واسترقوا بها السَمع، ويأتونه بألف كذبة وَهُوَ يضع عليها مائة كَذبة عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ.

مِمَّا لَا شَكَّ فيه النماذج كثيرة؛ ولكن لو دخلنا في النموذج الرَّابِع أظن واللهُ أَعْلَمُ سيطول المقام عَنْ ذَلِكَ، فأكتفي بهذا القَدر وَصَلَّىٰ اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَىٰ نَبِيِّنَا مُحَمَّد وجزاكم اللهُ خيرًا، وإن كان هناك بعض الأسئلة فَحَي هلا.

 

 

الطالب: أحسن الله إليكم يا شَّيْخنا وشكر الله لكم ونفع بكم وبعلمكم، نتمنى من الإخوة الحضور والأخوات من لديه سؤال فيُرسله إِلَىٰ الشات.

الشَّيْخ: فيه أسئلة يا أخ أمجد؟

الطالب: أحسن الله إليكم شَّيْخنا، كيف تسربت الإِسْرَائِيلَيات إِلَىٰ التَّفْاسِير عَنْ مُجاهد وابن عَبَّاس رجاءً ذِكِرها عند وقت الأسئلة حَيْثُ لا يُسمح لنا بالأسئلة الصوتية؟ نعم.

الشَّيْخ: التسلل مثله مثل الأَحَادِيْثِ الموضوعة تُذكر؛ والله عزوجل  جعل هٰذِه الأُمَّة تَتَميزُ بالإسناد والأنساب والإعراب، فَأَمَّا الإسناد فيَضعُ من يضع الإِسْرَائِيلَيات وينقلها إِلَىٰ الكُتب، والأَحَادِيْثِ الموضوعة كَذَلِكَ فَإِنَّ الله عزوجل  قَيد لهذا الدِّين من العُلَمَاء من يُميز ذَلِكَ هٰذِه واحدة.

بعض هٰذِه الإِسْرَائِيلَيات قَدْ يكون فيها شيءٌ ما يُوافق هٰذَا الدِّين، فَإِمَّا أَنَّهُ يُوافق هٰذَا الدِّين ولا يُمكن أَن نتعرف عَلَىٰ ذَلِكَ إِلَّا إذا وافق ما جاء في شريعتنا فِحِيْنَئِذٍ لا يضرنا؛ وَأَمَّا إن كان يُخالف نصًا شرعيًا رددناه ولا نُبالي ونقول: أَنَّهُ لَيْسَ من الديانة اليهودية؛ بل هٰذَا من جُملة التحريفات.

فما بقيت إِلَّا حالةٌ واحدة: لا ندري أهو صِدقٌ أم كَذب؟ فوجب عليك أَن تُمسِك عَنْ ذَلِكَ، ومن جُملة هٰذِه الْأَشْيَاء بعض القَصص الَّذِي لا يوجد في كِتَاب الله عزوجل  ما يهدمه، وَهٰذِه في الحقيقة من دَقيق الْمَسَائِل فالأَحَادِيْثِ الضعيفة قَدْ يكون فيها ثواب لم يَرد في الأَحَادِيْثِ الضعيفة، فقد يكون هٰذَا الثواب من الحَق وعدم الْعِلْم بِهِ لم ولم يضرنا، ولكن مِمَّا لَا شَكَّ فيه لو أُخذ في الاعتبار لكان تحفيزًا للعمل بالحَدِيْث الثابت بشريعتنا.

فكونها تسربت أَن أهل الْعِلْم ينقلون هٰذَا الْكَلَام ويُبينون أَنَّهُ بسند أم بغير بسند؟ فَإِنَّ كان بغير سندٍ الْمَسْأَلَة انتهت، وإن كان بسندٍ فمِمَّا لَا شَكَّ فيه يذكرون رجاله والرجالُ تَحْتَ التعديل والتجريح عَلَىٰ تفصيلٍ معروفٍ في مكانه؛ فَهٰذِه لم ولن تضرنا في شيء إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَىٰ.

الطالب: أحسن الله إليكم يا شَّيْخنا يَقُول: هل كِتَاب (الوجيز) مطبوع؟

الشَّيْخ: لَيْسَ مطبوعًا بل عندي عشرات المُجلدات لم تُطبع بعد، الله المُستعان نحن نحاول بقدر الإمكان نشرح عَلَىٰ قَدْ ما نقدر واللي يقدر يطبع يطبع براحته يَعْنِي لَنْ نمنع أحد.

الطالب: أحسن الله إليكم يَقُول: نُريد دروسًا في التَّفْسِير في تفسير الْقُرْآن؟

الشَّيْخ: يَعْنِي في الأسبوع توجد مُحاضرتان تنزل عَلَىٰ القناة في التَّفْسِير، فسرنا سورة الحُجرات في أربعة وستين مُحاضرة، وفسرنا قْ أظن في حاجة وسبعين مُحاضرة، والآن الذاريات بدأت تنزل وَهِيَ أَيْضًا حوالي حاجة وستين مُحاضرة، فإحنا ماشيين فَإِن شئت فَعُد إِلَىٰ القناة ستجد فيها ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَىٰ.

وتوجد أَيْضًا بعض الآيات الخفيفة هكذا اضِطُرِرتُ إِلَىٰ شرحها كمثْلًا: الآية الْثَّالِثة من سورة هُود: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ 3﴾ [هود: 3]، هٰذِه مشروحة في حوالي اثنين وثلاثين مُحاضرة أَيْضًا موجودة عَلَىٰ القناة، وآية: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ 222﴾ [البقرة: 222]؛ ولكن في الحقيقة إحنا ماشيين من المُفصل إِلَىٰ آخر المُصحف وإِنْ شَاءَ اللهُ إِنْ شَاءَ اللهُ يَتمُ ذَلِكَ.

الطالب: شكر الله يا شيخنا ونفع بكم ونفع بعملكم.

الشَّيْخ: جزاكم الله خير، السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاتهْ.

ملفات