مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه 36
حدثنا بهز بن أسد، حدثنا سليم بن حيان، قال: سمعت قتادة يحدث، عن حميد بن عبد الرحمن، أن عمر، قال:
إن أبا بكر خطبنا، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا عام أول، فقال:
" ألا إنه لم يقسم بين الناس شيء أفضل من المعافاة بعد اليقين، ألا إن الصدق والبر في الجنة، ألا إن الكذب والفجور في النار " (1) .
في هذا الحديثِ يقولُ رِفاعةُ بنُ رافعٍ رَضِي اللهُ عَنه:
"قام أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ على المِنبَرِ ثمَّ بكى، فقال: قام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عامَ الأوَّلِ على المنبَرِ ثمَّ بكى"، قيل: إنَّما بكى النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم؛ لأنَّه عَلِم وُقوعَ أمَّتِه في الفِتَنِ،
وغَلبةَ الشَّهوةِ والحِرصِ على جمعِ المالِ،
وقيل: إنَّ الَّذي أبكى أبا بكرٍ رَضِي اللهُ عَنه وضَّحه ما في روايةٍ أخرى:
" فبكى أبو بكرٍ حين ذكَر رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"،
فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "سَلُوا اللهَ"، أي: اطلُبوا في دُعائِكم مِن اللهِ،
"العفوَ"، أي: مَحْوَ الذُّنوبِ وسَتْرَ العيوبِ،
"والعافيةَ"، أي: السَّلامةَ في الدِّينِ مِن الفِتنةِ، وفي البَدنِ مِن الأمراضِ،
أو السَّلامةَ في الدُّنيا مِن النَّاسِ وشُرورِهم، وأن يُعافِيَك اللهُ مِنهم ويُعافِيَهم منك؛
"فإنَّ أحَدًا لم يُعطَ بعدَ اليَقينِ"، أي: الإيمانِ والبصيرةِ في الدِّينِ
"خيرًا مِن العافيةِ"، أي: أفضلَ من أن يُعْطى معه العافيةَ؛
فإنَّه لا يَتِمُّ صلاحُ العبدِ وسعادتُه في الدَّارَينِ إلَّا باليقينِ في اللهِ، وبالفَوزِ بعفوِه سبحانه،
والعفوُ مِن اللهِ هو العُمْدةُ في الفَوزِ بدارِ المعادِ، والعافيةُ هي العُمدةُ في صَلاحِ أمورِ الدُّنيا والسَّلامةِ مِن شُرورِها ومِحَنِها؛ فكان هذا الدُّعاءُ مِن جَوامعِ الدُّعاءِ.
وفي الحديثِ: الحثُّ على الدُّعاءِ وطلَبِ العافيةِ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ.