حدثنا يحيى، عن سعد بن إسحاق، قال: حدثتني زينب ابنة كعب بن عجرة عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت هذه الأمراض التي تصيبنا ما لنا بها؟ قال: " كفارات " قال أبي: وإن قلت؟ قال: " وإن شوكة فما فوقها " قال: فدعا أبي على نفسه أن لا يفارقه الوعك حتى يموت في أن لا يشغله عن حج، ولا عمرة ولا جهاد في سبيل الله، ولا صلاة مكتوبة في جماعة «مسند أحمد» (17/ 278 ط الرسالة):
«فما مسه إنسان، إلا وجد حره حتى مات (1)»
الدُّنيا دارُ بلاءٍ وامتِحانٍ، يَتَعَرَّضُ المَرءُ المُسلِمُ فيها للمَصائِبِ والأمراضِ، ولكِن من رَحمةِ اللهِ تعالى أن جَعَل كُلَّ ما يُصيبُ المُسلمَ في الدُّنيا له فيه أجرٌ وكَفَّارةٌ؛ ولهذا يَنبَغي على المُسلمِ أن يَصبرَ ويَحتَسِبَ على ما يُصيبُه من هذه الأمراضِ؛ ولهذا لمَّا جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَسألُه عن هذه الأمراضِ التي تُصيبُ الواحِدَ، ما لنا بها؟ أي: هل لنا فيها من أجرٍ وثَوابٍ بسَبَبِها؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هي كَفَّاراتٌ، أي: تُكَفِّرُ عنِ الشَّخصِ ذُنوبَه. ولمَّا سَمعَ الصَّحابةُ ذلك ظَنُّوا أنَّ المَقصودَ المَرَضُ الكَبيرُ أوِ العَظيمُ دونَ الأشياءِ الصَّغيرةِ أوِ الخَفيفةِ؛ فلذلك سَأل أُبَيُّ بنُ كَعبٍ رَضِيَ اللهُ عنه النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رَسولَ اللهِ، وإن قَلَّتْ؟ أي: وإن كانت هذه الأمراضُ قَليلةً؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وإنْ شَوكةً فما فوقَها.
يَعني: حتَّى الشَّوكةُ التي تُصيبُ الشَّخصَ تَكونُ له كَفَّارةً. فلمَّا سَمِعَ أُبَيٌّ رَضِيَ اللهُ عنه هذا الأجرَ دَعا ألَّا يُفارِقَه الوَعْكُ، وهو الحُمَّى، وألَّا يَشغَلَه هذا الوَعكُ عن حَجٍّ أو عُمرةٍ ولا جِهادٍ ولا صَلاةٍ مَكتوبةٍ في جَماعةٍ، بحَيثُ تَستَمِرُّ فيه هذه الحُمَّى، لكِن لا تَمنَعُه عنِ العِباداتِ الفاضِلةِ من حَجٍّ وعُمرةٍ وجِهادٍ وصَلاةِ جَماعةٍ. فاستَجابَ اللهُ دُعاءَ أُبَيِّ بنِ كَعبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، فكان لا يَمسُّ جَسَدُه إنسانًا إلَّا وجَدَ حَرَّ جَسدِه من أثَرِ الحُمَّى! واستَمَرَّ هَكَذا حتَّى ماتَ رَضِيَ اللهُ عنه.
وفي الحَديثِ أنَّ الأمراضَ التي تُصيبُ المُسلمَ كَفَّاراتٌ لذُنوبِه.