مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه174
مسند احمد
حدثنا يحيى، عن شعبة، حدثنا قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: " خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حنين لسبع عشرة - أو ثمان عشرة - مضت من رمضان فصام صائمون وأفطر آخرون، ولم يعب هؤلاء على هؤلاء، ولا هؤلاء على هؤلاء " (1)
شُرِعَتِ الرُّخَصُ في العِباداتِ لِمَن لا يَقدِرُ ولا يَقوَى على الأخْذِ بالعَزيمةِ؛ رَحمةً مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ورِفقًا بعِبادِه، فلا يُنقَصُ مِن قَدْرِ مَن آتاها، ولا يُعابُ بها.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو سَعيدٍ الخُدْريُّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ الصَّحابةَ رَضِيَ اللهُ عنهم خَرَجوا مُسافِرينَ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في ثَمانَ عَشْرةَ لَيلةٍ مَضَتْ مِن شَهرِ رَمَضانَ، فصامَ بَعضُ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم الذين يَقوَوْنَ على الصَّومِ ولا يُضعِفُهمُ، آخِذينَ بالعَزيمةِ، وأفطَرَ البَعضُ الآخَرُ، آخِذينَ برُخصةِ الفِطرِ لِلمُسافِرِ، كما في قَولِ اللهِ تَعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ معهم، ومُقِرٌّ لهم على تلك الحالِ.ثم أخبَرَ أبو سَعيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّهم لم يَكُنْ يَتمايَزُ بَعضُهم على بَعضٍ، ولم يَكُنْ يُفاضَلُ بيْن الصَّائمِ والمُفطِرِ فيما بيْنهم؛ فالكُلُّ في سَماحةٍ يَتراحَمُ بَعضُهم مع بَعضٍ. ويُجمَعُ بيْن هذا الحديثِ وحديثِ الصَّحيحَيْنِ: "ليس مِنَ البِرِّ الصِّيامُ في السَّفرِ" أنَّه مَحمولٌ على ما إذا لم يَقْوَ المُسافِرُ على الصَّومِ، وأورَثَ صَومُه ضَعفًا أو مَرَضًا، فليَأْخُذْ بالرُّخصةِ ويُفطِرْ، وليس فيه تَأثيمٌ لِلصَّومِ في السَّفَرِ.
وفي الحَديثِ: تَفاوُتُ الناسِ في أعمالِ الطاعةِ حَسَبَ قُدراتِهم وطاقَاتِهم، دُونَ تَقصيرٍ في الواجِباتِ.