مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه689
مسند احمد
حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، وحجاج، حدثني شعبة، عن قتادة، عن أبي المتوكل، - قال حجاج في حديثه سمعت أبا المتوكل، - عن أبي سعيد قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي انطلق (2) بطنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اسقه عسلا " فسقاه، فقال (3) : إني سقيته فلم يزده إلا استطلاقا، فقال له ثلاث مرات ثم جاءه (1) الرابعة، فقال: " اسقه عسلا " فقال: قد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صدق الله، وكذب بطن أخيك "، فسقاه، فبرئ (2)
أمَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالتَّداوي أخْذًا بالأسبابِ، واللهُ هو الشَّافي، ومِن ذلك التَّداوي بالعسَلِ؛ فقد خَلَقَ اللهُ العَسَل وجعَلَ فيه شِفاءً للنَّاسِ، وجَعَل سُبحانه للشِّفاءِ بِه أسبابًا أُخرى، كتَكرارِ الشَّرابِ وغيرِ ذلك ممَّا يُقدِّره بحِكمتِه.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو سَعيدٍ الخُدريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رجُلًا أَتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالَ: «أخي يَشتَكي بَطْنَهُ»، أي: هو مَريضٌ، ووَجَعُه في بَطْنِه، فأرشَدَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى أنْ يَسقِيَه عَسَلَ النَّحلِ؛ فإنَّ فيه شِفاءً، كما قال اللهُ: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69]، أيْ: مِن أَدواءٍ تَعرِضُ لهم، فسَقَى الرَّجلُ أخاهُ عَسلًا ثَلاثَ مرَّاتٍ، فلمْ يَبرَأْ، فكأنَّه شَكَّ في فائدةِ العَسلِ، فقالَ بعْدَ المرَّةِ الثَّالثةِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قدْ فعَلْتُ ما أَمَرْتَني به وسقَيْتُهُ عَسَلَ النَّحلِ، ولكنَّه لم يَبرَأْ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «صدَقَ اللهُ، وكذَبَ بَطْنُ أخيكَ»، أي: صدَقَ اللهُ فيما قالَهُ عن عَسلِ النَّحلِ {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}، وكذَبَ بطْنُ أخيكَ؛ لأنَّه لم يَستجِبْ للدَّواءِ في المرَّاتِ السابِقةِ، فيَحْتاجُ إلى جُرُعاتٍ أُخرى، ثمَّ قال له: «اسْقِهِ عَسلًا» مرَّةً رابعةً، «فَسَقاهُ فَبَرَأَ»، فظهَرَ صِدقُ اللهِ وصِدقُ رَسولِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيما أَخْبَرَ به، ولكنَّ الشِّفاءَ لهُ أسبابٌ لا بدَّ مِن الأخْذِ بها، كتَعدُّدِ جُرعاتِ الدَّواءِ الكافيةِ للقَضاءِ على المرضِ، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ هذا الدَّواءَ نافِعٌ حتْمًا بلا أدْنى شكٍّ، وأنَّ بَقاءَ الدَّاءِ ليس لقُصورِ الدَّواءِ في نَفْسِه، ولكنْ لأسبابٍ أُخرى.
وفي الحَديثِ: الأخذُ بالأسبابِ والسُّبُلِ المؤدِّيةِ إلى الشِّفاءِ مِن الأمراضِ.
وفيه: لُزومُ تَصديقِ كلِّ ما أخبَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ بِه.