مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه268
مسند احمد
حدثنا عبد الرحمن، حدثنا عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن عياض، قال: حدثني أبو سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفان عورتهما يتحدثان، فإن الله يمقت على ذلك " (1)
لم يَترُكْ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شيئًا فيه خَيرٌ إلَّا دَلَّ الأُمَّةَ عليه، ولم يَترُكْ شيئًا فيه ضَرَرٌ إلَّا حذَّرَ الأُمَّةَ منه، حتى علَّمَهم آدابَ قَضاءِ الحاجَةِ، وما ذلك إلَّا من سَعةِ الإسلامِ وشُموليَّتِه، كما في هذا الحديثِ، حيثُ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إذا تغوَّطَ الرَّجُلانِ"، تغوَّطَ أي: أرادَ الغائِطَ، وأصْلُ الغائِطِ: المَحَلُّ المُنخَفِضُ من الأرضِ، ثُمَّ نُقِلَ من هذا المُسمَّى إلى الذي يَقضي حاجَتَه ويَتَبرَّزُ، "فلْيَتَوارَ كُلٌّ منهما عن صاحِبِه"، ومعناه: إذا قام رَجُلانِ بالذَّهابِ إلى الغائِطِ؛ لقَضاءِ الحاجَةِ، فإنَّ هناك جُمْلةً من الآدابِ التي يَجِبُ أنْ تتوفَّرَ فيهما في مَقامِهما ذلك، وهي: أنْ يَستَتِرَ أحدُهما عن الآخَرِ، لعَدَمِ انكِشافِ العَورَةِ، والإنسانُ مَأمورٌ بسَترِها، "ولا يَتَحدَّثْ على طَوافِهما"، أي: ولا يَتكلَّمَا في هذا المَوضِعِ مع بَعضِهما وهما على حالةِ التغوُّطِ وقَضاءِ الحاجَةِ، وعِلَّةُ هذا النَّهيِ هو ما عبَّرَ عنه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقَولِه: "فإنَّ اللهَ يَمقُتُ على ذلك"، والمَقتُ هو أشَدُّ البُغضِ؛ فإنَّ اللهَ يُبغِضُ هذا الفِعلَ؛ وهو أنْ يَجلِسَ الرَّجُلانِ أحدُهما إلى الآخَرِ على قَضاءِ الحاجَةِ يَتَحدَّثانِ؛ لأنَّ هذه حالٌ سيِّئةٌ وهَيئَةٌ مَكروهةٌ، وإنْ كان مع سَترِ العَورَةِ؛ فلأنَّهما إذا صارَا يَتَحدَّثانِ سوف يَمكُثانِ طَويلًا على هذه الحالِ؛ لأنَّ التَّحدُّثَ غالِبًا يَطولُ بين النَّاسِ، ويَنسى الإنسانُ الحالَ التي هو عليها؛ فلهذا كان سَببًا لِمَقتِ اللهِ تَبارك وتَعالى، ويشتَدُّ المَقتُ إذا نَظَرَ كُلٌّ منهما إلى عَورَةِ الآخَرِ، وكذلك فإنَّ هذه الأماكِنَ مَواطِنُ للشَّياطينِ، يَتَرصَّدون بَني آدَمَ بالأذَى والفَسادِ؛ فيَتَمكَّنون منهم في تلك المَواضِعِ ما لا يَتَمكَّنون في غَيرِها من المَواضِعِ.
وفي الحديثِ: التَّحلِّي بالآدابِ والمَكارِمِ عندَ قَضاءِ الحاجَةِ.
وفيه: الحَثُّ على التَّنزُّهِ عن الحَديثِ في الأماكِنِ الخَبيثَةِ ومَواطِنِ الشَّياطينِ، والتَّنزُّهِ عن إظْهارِ العَوْراتِ( ).