‌‌مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه288

مسند احمد

‌‌مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه288

حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا حيوة، أخبرني بشير بن أبي عمرو الخولاني، أن الوليد بن قيس، حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يكون خلف من بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، فسوف يلقون غيا، ثم يكون خلف يقرءون القرآن، لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن، ومنافق، وفاجر " قال بشير: فقلت للوليد: ما هؤلاء الثلاثة، فقال: " المنافق كافر به، والفاجر يتأكل به، والمؤمن يؤمن به " (1)

أيَّدَ اللهُ تَعالى نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمُعجِزاتٍ تَدُلُّ على صِدقِ نُبوَّتِه وصِدقِ ما جاءَ به، ومِن ذلك أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخبَرَ عن أحوالٍ تَكونُ بَعدَ وفاتِه مِمَّا يَكونُ في أُمَّتِه مِن تَضييعٍ للصَّلَواتِ واتِّباعٍ للشَّهَواتِ، ومِن ذلك ما جاءَ في هذا الحَديثِ أنَّه قال: يَكونُ خَلْفٌ.

وهو كُلُّ مَن يَجيءُ بَعدَ مَن مَضى، إلَّا أنَّه بالتَّحريكِ في الخَيرِ، وبالتَّسكينِ في الشَّرِّ. يُقالُ: خَلَفُ صِدقٍ، وخَلْفُ سُوءٍ. ومَعناهما جَميعًا القَرنُ مِنَ النَّاسِ، والمُرادُ هنا بالسُّكونِ.

 مِن بَعدِ سِتِّينَ سَنةً، أي: في أوَّلِ خِلافةِ يَزيدَ بنِ مُعاويةَ؛ فإنَّ مُعاويةَ رَضِيَ اللهُ عنه توفِّيَ في أوَّلِ رَجَبٍ سَنةَ سِتِّينَ، وفي اليَومِ نَفسِه استُخلِف يَزيدُ، ومِن ذلك الوقتِ كَثُرَ الفسادُ وسَفكُ الدِّماءِ وتَفرُّقُ الكَلِمةِ. أضاعوا الصَّلاةَ، أي: ترَكوا الصَّلاةَ المَفروضةَ، وقيلَ: أخَّروها عن وَقتِها. واتَّبَعوا الشَّهَواتِ، أي: المَعاصيَ وشُربَ الخَمرِ، فآثَروا شَهَواتِ أنفُسِهم على طاعةِ اللهِ. فسَوف يَلقَونَ غَيًّا، أي: خُسرانًا، وقيلَ: شَرًّا، وقيلَ: وادٍ في جَهَنَّمَ بَعيدُ القَعرِ خَبيثُ الطَّعمِ. ثُمَّ يَكونُ خَلْفٌ يقرؤون القُرآنَ، لا يَعدو تراقيَهم، أي: لا يُجاوِزُ تراقيَهم، كما في بَعضِ الرِّواياتِ، والتَّراقي: جَمعُ تَرقُوةٍ، وهيَ العِظامُ بَينَ ثُغرةِ النَّحرِ والعاتِقِ، والمَعنى: لا يَخلُصُ عن ألسِنَتِهم وآذانِهم إلى قُلوبِهم، أي: أنَّ قِراءَتَهم لا يَرفعُها اللهُ ولا يَقبَلُها، فكَأنَّها لَم تَتَجاوَزْ حُلوقَهم، فلا يَحصُلُ لَهم غَيرُ القِراءةِ دونَ أجرٍ وثَوابٍ، أو أنَّها لا تَنفُذُ إلى قُلوبِهم فلا يَتَدَبَّرونَ فيها ولا يَتَأثَّرونَ بها. ويَقرَأُ القُرآنَ ثَلاثةٌ: مُؤمِنٌ، ومُنافِقٌ، وفاجِرٌ. قال بَشيرٌ: فقُلتُ للوليدِ -وهو مِن رواةِ الحَديثِ مِنَ التَّابِعينَ-: ما هَؤُلاءِ الثَّلاثةُ؟ فقال: المُنافِقُ كافِرٌ به، أي: لا يُؤمِنُ بما في القُرآنِ، والفاجِرُ يَتَأكَّلُ به، أي: يَجعَلُه مِهنةً يَتَعَيَّشُ بها ولا يَعمَلُ به، والمُؤمِنُ يُؤمِنُ به.
وفي الحَديثِ بَيانُ مُعجِزةٍ مِن مُعجِزاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه خُطورةُ إضاعةِ الصَّلَواتِ واتِّباعِ الشَّهَواتِ.
وفيه خُطورةُ قِراءةِ القُرآنِ مَعَ عَدَمِ الإيمانِ به، أوِ التَّأكُّلِ به.