مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه289
مسند احمد
حدثنا وهب، حدثنا أبي، قال: سمعت يونس، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما بعث من نبي، ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمرهبالخير، وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر، وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله " (1)
الإنسانُ يتأثَّرُ بمن حولَه مِنَ النَّاسِ، وخاصَّةً الأصدقاءَ والأصفياءَ الذين يختارُهم لنَفْسِه من بينِ النَّاسِ؛ فإن كانوا أهلَ صلاحٍ أصلَحوه، وإن كانوا أهلَ فَسادٍ أفسَدوه.
وفي هذا الحَديثِ يُبَيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ الرَّجُلَ إذا تَولَّى وِلايةً -كالخِلافةِ أو الإمارةِ ونحوِها مما يتعَلَّقُ بأمورِ العِبادِ- كانت «له بِطانَتانِ» وبِطانةُ الرَّجُلِ: خاصَّتُه الذين يُباطِنُهم في الأُمورِ، والذين يَدخُلون على الرَّئيسِ في مكانِ خَلوتِه، ويُفضي إليهم بسِرِّه، ويُصَدِّقُهم فيما يخبرونه به ممَّا يخفى عليه من أمْرِ رَعِيَّتِه، ويعمَلُ بمقتضاه، والنَّاسُ في ذلك على صِنفَينِ:
بِطَانَةٌ تَأمُرُ بالخيرِ، وهو كُلُّ ما استحسنه الشَّرعُ ويَسَّرَ على النَّاسِ في أمورِ دينِهم ودُنياهم، وتَحضُّ وتَحثُّ على العَمَلِ به.
وبِطانةٌ تَأمُرُ بالشَّرِّ، وهو كُلُّ ما أنكره الشَّرعُ ونهى عن فِعْلِه، وشَقَّ على النَّاسِ أمورَ دِينِهم ودُنياهم، وتَحضُّ وتَحُثُّ على العَمَلِ به.
ثُمَّ بيَّن صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ المحفوظَ مِن ضَرَرِ بِطانَةِ الشرِّ هو مَن نال حِفْظَ الله وعِصْمَتَه، لا بِحَوْلِه ولا قُوَّتِه، وهذا تَذكيرٌ للوُلاةِ بالتَّوكُّلِ والاستعانةِ باللهِ، وإظهارِ ضَعْفِ المخلوقِ وحاجتِه لخالقِه، كما أنَّه ينبغي للحاكمِ أن يتَّخِذَ من يَستكشِفُ له أحوالَ النَّاسِ في السِّرِّ، وليكُنْ ثِقةً مأمونًا فَطِنًا عاقِلًا؛ لأنَّ المصيبةَ إنما تدخُلُ على الحاكِمِ المأمون مِن قَبولِه قَولَ مَن لا يُوثَقُ به؛ فيَجِبُ عليه أن يتثبَّتَ في مِثلِ ذلك.
وفي الحَديثِ: الحثُّ على تَقْريبِ أهلِ الصَّلاحِ في الحكمِ والوِلايةِ.
وفيه: أنَّ تَقْريبَ أهْلِ الصَّلاحِ مُعِينٌ على التَّوفيقِ والهِدايةِ.