مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه301
مسند احمد
حدثنا معاوية بن هشام، حدثنا شيبان، عن فراس، عن عطية عن أبي سعيد، عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يخرج عنق من النار يتكلم يقول: وكلت اليوم بثلاثة: بكل جبار، وبمن جعل مع الله إلها آخر، وبمن قتل نفسا بغير نفس، فينطوي عليهم فيقذفهم في غمرات جهنم " (1)
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كثيرًا ما يُرغِّبُ الصَّحابةَ فيما عِندَ اللهِ مِن الخيرِ والثَّوابِ، وأيضًا يُخوِّفُهم ممَّا يُغضِبُ اللهَ عزَّ وجلَّ، ويَذكُرُ لهم النَّارَ وما فيها مِن عذابٍ أليمٍ؛ ليَجتنبِوا أسبابَ الوقوعِ فيها.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "تَخرُجُ عُنقٌ مِن النَّارِ"، أي: شيءٌ يُشبِهُ الرَّقبةَ في هَيئتِها يَخرُج مِن النَّارِ، أو تَخرُجُ قِطعةٌ مِنَ النَّارِ على هَيئةِ الرَّقبةِ الطَّويلةِ؛ وذلك "يومَ القيامةِ" يومَ الحسابِ والجَزاءِ، وتكونُ "لها"، أي: لهذا العُنقِ "عَينانِ تُبصِران، وأُذنانِ تَسمَعانِ، ولسانٌ يَنطِقُ"، أي: يَخلُقُ اللهُ لها عَينَين تَرى بهِما، وأُذنَين تَسمَعُ بهِما، ولسانًا تتَكلَّمُ وتُفصِحُ به، تقول: "إنِّي وُكِّلتُ"، أي: أمَرني اللهُ سبحانه وتعالى "بثلاثةٍ"، أي: بثلاثةِ أصنافٍ مِن النَّاسِ أدخَلَهم في جَهنَّمَ: "بكلِّ جبَّارٍ عنيدٍ"، أي: بكلِّ إنسانٍ ظالمٍ، عارفٍ بالحقِّ، ولكنَّه جحَده، وتكَبَّر وعانَد، والثَّاني: "وبكلِّ مَن دعا"، أي: عبدٍ، وأشرَك "مع اللهِ إلهًا آخَرَ"، أي: جعَل للهِ سُبحانه وتعالى نِدًّا، والثَّالثُ: "وبالمصوِّرين"، وهم النَّحَّاتون الَّذين يَصنَعون ويَنحِتون التَّماثيلَ الَّتي تُضاهي خَلْقَ اللهِ تعالى، وقيل: هم مَن يَصنَعون الأصنامَ للعِبادةِ.
وفي الحديثِ: تَهديدٌ ووعيدٌ لكلِّ مَن تَكبَّر وتجَبَّر وعانَد، ولِمَن دعَا غيرَ اللهِ تعالى، ولِمَن صَوَّرَ وضاهَى خلْقَ اللهِ سبحانَه.