حدثنا عبد الصمد، حدثني أبي، حدثنا الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على نهر من السماء والناس صيام، في يوم صائف (1) مشاة، ونبي الله على بغلة له، فقال: " اشربوا أيها الناس " قال: فأبوا، قال: " إني لست مثلكم، إني أيسركم، إني راكب " فأبوا. قال (2) : فثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذه، فنزل، فشرب وشرب الناس، وما كان يريد أن يشرب " (3)
" ولا تسافر المرأة فوق ثلاث ليال، إلا مع زوج
رَخَّصَتِ الشَّريعةُ للمُسافِرِ أن يُفطِرَ في سَفرِه؛ قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، وقد أفطَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سَفرِه وأمَر أصحابَه أن يُفطِروا، كُلَّ هذا تَخفيفًا وتَيسيرًا عليهم، ولكِن إذا كان الصِّيامُ في السَّفرِ لا يَشُقُّ على المُسافِرِ فيُشرَعُ له الصَّومُ وعَدَمُ الأخذِ بالرُّخصةِ، وهذا الحَديثُ يُبَيِّنُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صامَ في سَفَرِه؛ لكَونِه كان راكِبًا، والصَّحابةُ مُشاةً، ولكِنَّه أفطَرَ لمَّا رَأى أنَّهم يَنتَظِرونَ ماذا يَصنَعُ، يَقولُ أبو سَعيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه: مَرَّ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على نَهرٍ من ماءِ السَّماءِ، أي: منَ المَطَرِ في يَومٍ صائِفٍ، أي: في الصَّيفِ الشَّديدِ الحَرارةِ، والنَّاسُ يَمشونَ على أقدامِهم، وعَدَدُهم كَثيرٌ وهم صيامٌ، فوقَف النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على النَّهرِ، حتَّى إذا تَتامَّ النَّاسُ، أي: جاؤوا مُتَوافِرينَ مُتَتابِعينَ حَولَ النَّهرِ، فقال لهم: يا أيُّها النَّاسُ اشرَبوا، وهذا أمرٌ لهم بالشُّربِ تَخفيفًا ورَحمةً بهم لِما رَأى من حالِهم، لكِنَّ الصَّحابةَ جَعَلوا يَنظُرونَ ماذا سَيَصنَعُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فهو قُدوتُهم، فكانوا يَنتَظِرونَ منه أن يَشرَبَ، فقال لهم: إنِّي لستُ مِثْلَكم؛ وذلك لأنِّي راكِبٌ فلا يُصيبُني التَّعَبُ مِثلَكُم؛ فأنتُم مُشاةٌ على أقدامِكُم، لكِنَّ الصَّحابةَ جَعَلوا يَنظُرونَ إليه مَرَّةً أخرى ولم يَشرَبوا، فلمَّا أبَوا، أي: امتَنَعوا منَ الشُّربِ؛ لأنَّهم لم يَرَوه شَرِبَ، وأرادوا أن يَتَأسَّوا به ولا يُفطِروا مِثلَه، فلمَّا عَلمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منهم ذلك حَوَّل وَرِكَه، وهو ما فوقَ الفَخذِ، وفي رِوايةٍ: حَوَّل فَخِذَه، ونَزَل فشَرِبَ؛ إشفاقًا عليهم وتَيسيرًا لهم، فعِندَ ذلك شَرِبَ النَّاسُ.
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ الصَّومِ في السَّفرِ لمَن كان لا يَشُقُّ عليه.
وفيه أنَّه يُشرَعُ للمُسافِرِ أن يُفطِرَ بَعدَ أن نَوى الصِّيامَ منَ اللَّيلِ.
وفيه رَحمةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأصحابِه؛ حَيثُ أفطَرَ حينَ رَآهمُ امتَنَعوا منَ الفِطرِ.
وفيه أنَّه يُشرَعُ لمَن مَعَ المُسافِرينَ من إمامٍ أو عالمٍ أن يُفطِرَ ليَقتَديَ به النَّاسُ، وإن لم يَكُنْ مُحتاجًا إلى الإفطارِ.
وفيه حِرصُ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم على مُتابَعةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والاقتِداءِ به