مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه644
مسند احمد
حدثنا علي بن عاصم، أخبرنا الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: لو قومت لنا سعرنا، قال: " إن الله هو المقوم، أو المسعر، إني لأرجو أن أفارقكم، وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة، في مال ولا نفس " (1)
في هذا الحَديثِ يَحكي أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّه: "غَلا السِّعرُ"، أي: ارتفعَتْ أسعارُ السِّلعِ وقيمتُها عندَ أصحابِها، "على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقالوا"، أي: الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم: "يا رسولَ الله، سَعِّرْ لنا"، أي: طلبوا مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أنْ يأمُرَ التُّجَّارَ وأهلَ السُّوقِ بسعرٍ مسمًّى لا يُزادُ عليه ولا يُنقَصُ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ اللهَ هو المُسعِّرُ"، أي: إنَّ الغلاءَ والرُّخْصَ هو أمرٌ بيدِ الله تعالى، "القابضُ"، أي: المُمسِكُ للرِّزقِ، "الباسطُ"، أي: الموسِّعُ له، "الرَّزَّاقُ"، أي: الَّذي بيدِه رِزقُ العبادِ، "وإنِّي لَأرجو أن ألقى ربِّي وليس أحدٌ منكم يَطلُبُني بمَظْلِمَةٍ"، أي: تكونُ له مَظْلِمَةٌ عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يسأَلُه بها اللهَ يومَ القيامةِ، "في دَمٍ ولا مالٍ"، أي: إنَّ المانعَ لي مِن التَّسعيرِ مَخافةُ أن يَظلِمَ النَّاسَ في أموالِهم؛ قيل: وفي التَّسعيرِ مفاسِدُ؛ منها: تحريكُ الرَّغباتِ والحملُ على الامتناعِ مِن البيعِ، وكثيرًا ما يُؤدِّي إلى القَحْطِ، وذلك إذا تضمَّن ظُلمَ التُّجَّارِ والبائِعين وإكراهَهم بغيرِ حقٍّ على البيعِ بثمَنٍ لا يَرْضَونه، أو مَنْعَهم ممَّا أباح اللهُ لهم، وقد ذَهبَ بعضُ العُلماءِ إلى إباحةِ التَّسعيرِ عندَ الضَّرورةِ أو الحاجةِ، بشَرْطِ أنْ يتَضمَّن العدلَ بينَ النَّاسِ، مِثلَ إكراهِهم على ما يَجِبُ عليهم مِن المعاوَضةِ والبيعِ بثَمَنِ المِثلِ، ومَنْعِهم ممَّا يَحرُمُ عليهم مِن أخذِ الزِّيادةِ على عِوَضٍ وثمَنِ المثلِ فهو مُباحٌ، وربَّما يتحوَّلُ إلى واجبٍ على الإمامِ على أن يَكونَ التَّسعيرُ إلزامًا بالعَدلِ في البيعِ والشِّراءِ، وليس إكراهًا على البيعِ بأقلَّ مِنه.