مسند أبي هريرة رضي الله عنه 255
مسند احمد
حدثنا سفيان، عن عمرو، عن يحيى بن جعدة، عن عبد الله بن عمرو القاري، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: لا ورب هذا البيت ما أنا قلت: «من أصبح جنبا فلا يصوم» محمد ورب البيت قاله، ما أنا نهيت عن صيام يوم الجمعة، محمد نهى عنه ورب البيت
علَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أحكامَ الدِّينِ وفصَّلَها لنا، ومِن ذلك أحكامُ الصِّيامِ
وفي هذا الخبَرِ يقولُ أبو هُريرةَ رَضِي اللهُ عنه: "لا ورَبِّ الكعبةِ، ما أنا قلتُ: مَن أصبَح وهو جُنبٌ فليُفطِرْ؛ محمَّدٌ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قالَه"، قيل: لعلَّ الجَنابةَ كِنايةٌ عَن الذي جامَعَ ودخَل عليه الفَجرُ وهو على حالِه ولم يُدرِكْ بالفَجرِ إلَّا بعدَ قَضاءِ نَهْمتِه، وقيل: هو مُتعلِّقٌ بخبَرٍ في الصَّحيحَين؛ فعَن أبي بكرِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ الحارثِ المخزوميِّ قال: سمعتُ أبا هُريرةَ رَضِي اللهُ عنه يقُصُّ، يقولُ في قَصصِه: "مَن أدرَكَه الفجرُ جُنبًا فلا يَصُمْ"، فذكَرتُ ذلك لعَبدِ الرَّحمنِ بنِ الحارثِ- يَعني أباه- فأنكَر ذلك، فانطلَق عبدُ الرَّحمنِ، وانطلَقتُ معَه حتَّى دخَلْنا على عائِشةَ وأمِّ سَلمةَ رَضِي اللهُ عنهما، فسأَلَهما عبدُ الرَّحمنِ عن ذلك، قال: فكِلْتاهما؟ قالت: كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُصبِحُ جُنبًا مِن غيرِ حُلُمٍ، ثمَّ يَصومُ"، أي: يَكونُ جُنبًا مِن جِماعِ زَوجاتِه، ثمَّ يصومُ، "قال: فانطَلَقْنا حتَّى دخَلْنا على مَرْوانَ"، وهو مَرْوانُ بنُ الحَكَمِ والي المدينةِ مِن قِبَلِ مُعاويَةَ بنِ أبي سُفيانَ، "فذَكَر ذلك له عبدُ الرَّحمنِ، فقال مَرْوانُ: عزَمتُ عليكَ إلَّا ما ذَهَبتَ إلى أبي هُرَيرَةَ، فرَدَدتَ عليه ما يَقولُ، قال: فجِئْنا أبا هُريرةَ، وأبو بَكرٍ حاضرٌ ذلك كلَّه، قال: فذَكَر له عبدُ الرَّحمنِ، فقال أبو هُريرةَ: أهُما قالَتَاه لك؟ قال: نعَم، قال: هُما أعلَمُ، ثمَّ ردَّ أبو هُريرةَ ما كان يَقولُ في ذلك إلى الفضلِ بنِ العبَّاسِ، فقال أبو هُريرةَ: سَمِعتُ ذلك مِن الفضلِ: ولم أسمَعْه مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، قال: فرَجَع أبو هُريرةُ عمَّا كان يَقولُ في ذلك
وهذه الرِّوايةُ تُبيِّنُ أصلَ المسألةِ، فالأمرُ مجرَّدُ خلافٍ، ثمَّ حُسِمَ الأمرُ بالسُّنَّةِ الثَّابتةِ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم
وفي الحديثِ: بيانُ تَحرِّي الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم الدِّقةَ في الرِّوايةِ عن رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، والرُّجوعِ إلى ما صَحَّ منها، والتَّنْبيهِ على ما لم يصِحَّ