مسند أبي هريرة رضي الله عنه 641
مسند احمد
حدثنا إبراهيم بن خالد، حدثنا رباح، عن معمر، عن الزهري، أخبرني سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قاتل الله اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَريصًا على أُمَّتِهِ، يُعلِّمُهُم الخَيرَ، ويأمُرُهم بما يَنفَعُهم؛ ومِن هذا أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَهم أنْ يَجعَلوا نَصيبًا من صَلاتِهم وعِبادَتِهم في بُيوتِهم
كما قالَ في هذا الحَديثِ: "صَلُّوا في بُيوتِكم"، أي: صَلُّوا فيها من السُّنَنِ والنَّوافِلِ، ولا تَتْرُكوا الصَّلاةَ وغيرَها من العِباداتِ في البُيوتِ؛ "ولا تَجعَلوا بُيوتَكُم مَقابِرَ"، يعني: لا تَجعَلوها كأنَّها ليس فيها أحْياءٌ يَذكُرونَ اللهَ، ويَقرَؤونَ القُرآنَ، ويُقيمونَ الصَّلاةَ والطَّاعاتِ بل تَبْدو خاوِيةً ساكِنةً كأنَّ أهْلَها أمْواتٌ، ولكنِ اجْعَلوا نَصيبًا من صَلاتِكم في البَيتِ. وقِيلَ: المرادُ النَّهْيُ عن الدَّفْنِ في البُيوتِ، ودَفْنُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بَيْتِهِ أمْرٌ خاصٌّ به مُسْتَثنًى من النَّهْيِ
ثُمَّ قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لعَنَ اللهُ اليَهودَ"، واللَّعنُ هو دُعاءٌ بالطَّردِ من رَحْمةِ اللهِ، ثُمَّ بيَّنَ سبَبَ هذا الدُّعاءَ عليهم، فقالَ: "اتَّخَذوا قُبورَ أنبيائِهِم مَساجِدَ"؛ وذلِكَ إمَّا بالسُّجودِ إليها تَعْظيمًا لها، أو بجَعْلِها قِبْلةً يَتوجَّهون إليها في الصَّلاةِ، ويَقْصِدونَها بعبادَتِهِم، وهذا تَحْذيرٌ ونَهْيٌ شَديدانِ، وإعْلامٌ للأُمَّةِ بأنْ يتجَنَّبوا اتِّخاذَ القُبورِ مساجِدَ؛ لِمَا في ذلِكَ من الذَّريعةِ إلى عِبادَتِها والاعتِقادِ فيها
ثُمَّ قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "وَصَلُّوا عليَّ" بالدُّعاءِ له والتَّسْليمِ عليه؛ "فإنَّ صَلاتَكُم تَبلُغُني حيثُما كُنتُم"، فصَلاةُ المُسلِمِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَصِلُهُ؛ فمَنْ صلَّى عليه في أيِّ مَكانٍ من بِقاعِ الأرْضِ كأنَّه أتَى إليه فصَلَّى وسَلَّمَ عليه؛ وكأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُشيرُ أنَّه لا حاجةَ لاتِّخاذِ قَبرِهِ عِيدًا يُذهَبُ إليه خِصِّيصَا للصَّلاةِ والسَّلامِ، حتَّى لا يكونَ ذلِكَ ذَريعةً للشِّركِ كما فَعَلَتِ اليَهودُ والنَّصارَى
وفي الحَديثِ: تَوْجيهُ النَّاسِ إلى تَعْميرِ البُيوتِ بالصَّلاةِ والطَّاعاتِ
وفيه: حِرصُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على إبْعادِ أُمَّتِهِ عنِ الشِّرْكِ وأسبابِهِ
وفيه: الحثُّ على الإكثارِ من الصَّلاةِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لإبلاغِ اللهِ تعالى له تِلكَ الصَّلاةَ