مسند أبي هريرة رضي الله عنه 730
مسند احمد
حدثنا يزيد، أخبرنا همام، عن قتادة، عن أبي ميمونة، عن أبي هريرة، قال: قلت: يا رسول الله، إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني، فأنبئني عن كل شيء. فقال: «كل شيء خلق من ماء» قال: قلت: أنبئني عن أمر إذا أخذت به دخلت الجنة. قال: «أفش السلام، وأطعم الطعام، وصل الأرحام، وقم بالليل والناس نيام، ثم ادخل الجنة بسلام»
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُربِّي النَّاسَ على الفَضائلِ والمَكارِمِ؛ حتى يَكونَ المُجتَمعُ مُتحابًّا مُتعاوِنًا، كما بَيَّنَ أنَّ مَكارِمَ الأخلاقِ لها أجْرٌ عَظيمٌ عِندَ اللهِ
وفي هذا الحَديثِ يقولُ أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه: "قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي إذا رأيتُكَ طابَتْ نَفْسي"، فرَضيتْ واطمأنَّتْ، "وقَرَّتْ عَيني"، معناها: بَرَدتْ، وانقَطَعَ بُكاؤُها، واستِحرارُها بالدَّمعِ، وقيل: مِنَ القَرارِ، أي: رأتْ ما كانت مُتشوِّفةً إليه، وقيل: أقَرَّ اللهُ عَينَكَ، أي: بَلَّغَكَ أُمنيَّتَكَ حتى تَرضَى نَفْسُكَ، وتَسكُنَ عَينُكَ، فلا تَستَشرِفَ إلى غَيرِها، "فأنبِئْني عن كُلِّ شَيءٍ"، يُريدُ: أخبِرْني عن أصلِ المَخلوقاتِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "كُلُّ شَيءٍ خُلِقَ مِنَ الماءِ"، فأصلُ جَميعِ المَخلوقاتِ ومادَّتُها خُلِقتْ مِنَ الماءِ، "قُلتُ: أنبِئْني عن أمْرٍ إذا أخَذتُ به" فعَمِلتُ به في حَياتي "دَخَلتُ الجَنَّةَ"، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أفْشِ السَّلامَ"، والمَقصودُ بإفشاءِ السَّلامِ نَشرُه والإكثارُ منه، والسَّلامُ اسمٌ مِن أسماءِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وإفشاءُ السَّلامِ طَريقٌ مُوصِّلٌ لِلمَحبَّةِ بَينَ المُسلِمينَ، والسَّلامُ هو التَّحيَّةُ المُبارَكةُ في هذه الأُمَّةِ، وقد جَعَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن خَيرِ الأقوالِ في البِرِّ والإكرامِ إفشاءَ السَّلامِ، الذي يَعُمُّ ولا يَخُصُّ، مَن عَرَفَ ومَن لم يَعرِفْ، حتى يَكونَ خالِصًا للهِ تَعالى. "وأطْعِمِ الطَّعامَ" ويَعُمُّ الإطعامُ ما يَكونُ بالصَّدَقةِ والهَديَّةِ والضِّيافةِ، ويَدخُلُ فيه. "وصِلِ الأرحامَ"، والأرحامُ هم كُلُّ مَن تَربِطُكَ بهم رَحِمٌ أو قَرابةٌ مِن جِهةِ الأبِ أوِ الأُمِّ، وقد حَثَّ القُرآنُ الكَريمُ على صِلَتِهم، وحَذَّرَ أشَدَّ التَّحذيرِ مِن قَطْعِهم، قال تَعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، "وقُمْ باللَّيلِ والنَّاسُ نِيامٌ"، فصَلِّ النَّوافِلَ؛ مِنَ القِيامِ والتَّهجُّدِ في اللَّيلِ، كما يَقولُ اللهُ تَعالى، واصِفًا عبادَه المُؤمِنينَ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة: 16]، ويَنبَغي الحِرصُ على قيامِ اللَّيلِ والأخذِ بالأسبابِ المُعينَةِ على ذلك، ومنها: البُعدُ عنِ المَعاصي والذُّنوبِ، والإقلالُ مِنَ الأكلِ قَبلَ النَّومِ. وقَولُه: "ثم ادخُلِ الجَنَّةَ بسَلامٍ"، أي: تَكونُ الجَنَّةُ جَزاءً لكَ على هذه الأفعالِ إذا فَعَلتَها مُخلِصًا فيها للهِ عزَّ وجلَّ
وفي الحَديثِ: الحَثُّ على نَشرِ السَّلامِ تَحيَّةً وسُلوكًا بَينَ النَّاسِ، والتَّراحُمِ بَينَ النَّاسِ بفِعلِ الخِصالِ الحَميدةِ
وفيه: الأمْرُ بصِلةِ الأرحامِ وعَدَمِ قَطعِها
وفيه: التَّرغيبُ في قيامِ اللَّيلِ