حدثنا يزيد، أخبرنا شعبة، عن هشام بن زيد بن أنس، عن أنس بن مالك، أن جارية خرجت عليها أوضاح، فأخذها يهودي فرضخ رأسها، وأخذ ما عليها، فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبها رمق فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتلك؟ فلان؟ " فقالت برأسها: لا. فقال: " فلان؟ " فقالت برأسها: لا. قال: " ففلان اليهودي؟ " فقالت برأسها: نعم، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضخ رأسه بين حجرين، (2)
حِفْظُ دَمِ الإنسانِ أحدُ المقاصِدِ التي جاءت الشَّريعةُ بصِيانتِها، وقدْ شدَّدَ الدِّينُ الإسلاميُّ على حُرمةِ قتْلِ النَّفْسِ التي حرَّمها اللهُ تعالَى، ومن أجْلِ ذلك شَرَع القِصاصَ وَسيلةً مِن وَسائِلِ حِفظِ الدِّماءِ في المجتَمَعِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أنسُ بنُ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ يَهوديًّا تَعَدَّى عَلى جاريةٍ في عَهْدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَأَخَذَ «أَوضاحًا كانَت عَلَيْها»، أي: حُليًّا مِن الدَّراهِمِ تُصنَعُ مِنَ الفِضَّةِ، وسُمِّيَت بذلك لبياضِها وصفائِها، «ورَضَخَ»، أي: دقَّ وكَسَرَ رَأسَها.
فَجاء أهلُ الجاريةِ بها لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم «وهي في آخِرِ رَمَقٍ»، يعني: في آخِرِ نَفَسٍ، وتوشِكُ أن تَفيضَ رُوحُها، «وقَدْ أُصْمِتَتْ»، أي: اعْتُقِلَ لِسانُها فَلَم تَستَطِعِ النُّطقَ لَكِن مَعَ حُضور عَقلِها، فَسَأَلَها صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَن قَتَلَكِ؟ فُلانٌ؟» ذكر اسمَ رَجُلٍ غيرِ الَّذي قَتَلَها، «فَأَشارَتْ بِرَأسِها: أنْ لا»، أي: لَيْسَ فُلانٌ قَتَلَني، ثُمَّ سَأَلَها عن رَجُلٍ آخَرَ فَأَشارَت بِرَأسِها: لا، فَسَأَلَها صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فَفُلانٌ قَتَلَكِ؟ لِقاتِلِها اليهوديِّ، فَأَشارَتْ بِرَأسِها: أنْ نَعَم قَتَلَني، فَأَمَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم باليَهوديِّ -بعد أن اعترف بقَتْلِه إيَّاها، كما في روايةٍ أُخرى في الصَّحيحينِ؛ لأنَّ ادِّعاءَها وَحْدَه لا يُعَدُّ بيِّنةً- «فرُضِخَ»، أي: دُقَّ رَأسُه بَينَ حَجَرَينِ؛ قِصاصًا كما فعل بالجاريةِ.
وفي الحَديثِ: أنَّ القاتِلَ يُقتَلُ بِما قَتَلَ به، إلَّا أن يكوَن ذلك الذي قَتَل به أمرًا محرَّمًا لا يجوزُ فِعْلُه.
وفيه: أنَّ الرَّجُلَ يُقتَلُ بالمرأةِ..