حديث عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم 12
مستند احمد
حدثنا عبد الله بن يزيد، قال: حدثنا موسى، قال: سمعت أبي، يقول: سمعت عمرو بن العاص يخطب الناس بمصر يقول: «ما أبعد هديكم من هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم، أما هو فكان أزهد الناس في الدنيا» وأما أنتم فأرغب الناس فيها
الزُّهْدُ في الدُّنْيا شِعَارُ أنْبِياءِ اللهِ وأوْلِيائِهِ وأحِبَّائِه، وقد ضرَبَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أروَعَ الأمثلةِ فيه؛ فكان أزهَدَ الناسِ في الدُّنْيا؛ لِعلمِه بحَقيقتِها، وأنَّها دارُ فَناءٍ، وليسَتْ باقيةً، وإنَّما هي مَرحَلةٌ يتَزوَّدُ فيها المسلِمُ مِنَ الأعْمالِ الصَّالحةِ والطَّاعاتِ؛ حتَّى يَعيشَ الحياةَ الباقيةَ في جَنَّةِ اللهِ عزَّ وجلَّ
وفي هذا الحَديثِ يقولُ عُلَيُّ بنُ رَباحٍ اللَّخْميُّ: "سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ العاصِ يَخطُبُ الناسَ بمِصرَ" حيث كان واليًا عليها، "يقولُ: ما أبعَدَ هَديَكم"، أي: طريقتَكم في الحياةِ، وطلَبَكم للدُّنيا، "مِن هَدْيِ نَبيِّكم صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّمَ" مُقارَنةً بما كان عليه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "أمَّا هو فكان أزهَدَ الناسِ في الدُّنْيا" حيثُ كان يترُكُ التنَعُّمَ بزُخرفِ الدُّنْيا، وقد فتَحَ اللهُ عليه الفُتوحَ، وأتَتْه كنوزٌ وأموالٌ لا تُحْصَى، ولو شاء أنْ تَصيرَ معَه الجِبالُ ذهَبًا لصارَتْ، وكان يُعْطي عطاءَ مَن لا يَخْشى الفاقةَ، ويعيشُ عِيشةَ الفُقراءِ، فزهِدَ في الدُّنْيا، وأنفَقَ ما آتاه اللهُ في الطاعاتِ وللفُقراءِ والمُحْتاجينَ، "وأمَّا أنتُم فأرغَبُ الناسِ فيها"، وهذا حالُ مُعظَمِ الناسِ حيثُ يَرغَبونَ في تَملُّكِ أكثَرِ ما يُمكِنُهم منَ الدُّنْيا، ويَحرِصونَ على جَمْعِه، معَ الغَفلةِ عن حُقوقِ اللهِ وحُقوقِ الفُقراءِ فيه. ومَن أحبَّ أنْ يكونَ مِثلَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فلْيصبِرْ كما صبَرَ في الدُّنْيا، ولْيَزهَدْ فيها ولْيَجعَلْها تحتَ قَدَمِه، وإنْ كانتْ في يَدِه فلا يَجعَلْها في قَلبِه؛ فالدُّنْيا سِجنُ المُؤمِنِ، وجَنَّةُ الكافرِ. وهذا لا يُنافي التمتُّعَ بنِعمِ اللهِ تَعالَى المباحَةِ؛ فإنَّ اللهَ سُبحانَه يُحِبُّ أنْ يرَى أثَرَ نِعمتِه على عَبْدِه، ونِعمَ المالُ الصالح ُ للرَّجُلِ الصالحِ الذي يَعلَمُ حقَّ اللهِ فيه ويُنفِقُ منه في وُجوهِ البِرِّ، ونَصْرِ الحقِّ ونشْرِ الخيرِ
وفي الحَديثِ: نَصيحةُ الحاكِمِ ووَليِّ الأمْرِ لِمَن تحتَ يَدِه