‌‌مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه 37

‌‌مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه 37

حدثنا زكريا بن عدي، حدثنا علي بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان - وما إخاله يتهم علينا - قال:
أصاب عثمان رعاف سنة الرعاف، حتى تخلف عن الحج وأوصى، فدخل عليه رجل من قريش، فقال: استخلف. قال: وقالوه؟ قال: نعم. قال: من هو؟ قال: فسكت، قال: ثم دخل عليه رجل آخر فقال له مثل ما قال له الأول، ورد عليه نحو ذلك، قال: فقال عثمان: قالوا: الزبير؟ قال: نعم. قال: أما والذي نفسي بيده إن كان لخيرهم ما علمت، وأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أحسَنَ النَّاسِ خُلقًا، وقد أمَر بحُسنِ الخُلقِ، وبَيَّن أنَّ صاحِبَ الخُلقِ الحَسنِ له فَضلٌ كبيرٌ، وأجرٌ عظيمٌ،

وفي هذا الحديثِ يقولُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لأصحابِه ولأُمَّتِه:

"إنَّ مِن أحَبِّكم"، أي: مِن أكثَرِ النَّاسِ حُبًّا أو أحَبِّ المَحبوبين،

"إليَّ" في الدُّنياوأقرَبِكم منِّي مَجلِسًا"، أي: منزِلةً، يومَ القِيامةِ أحاسِنَكم" جمعُ أحسَنَ، أي: أفضَلَكم وأجمَلَكم "أخلاقًا"، أي: أصحابَ الخُلقِ الحسَنِ الجامِعِين للأخلاقِ الجَميلةِ الحسَنةِ بأنواعِها، "وإنَّ من أبغَضَكم إليَّ"، أي: أكثَرَ مَن أكرَهُهم مِن النَّاسِ في الدُّنيا، "وأبعَدَكم منِّي" مَجلِسًا ومَنزِلةً، "يومَ القيامةِ الثَّرثارون"، الَّذين يُكثِرون الكَلامَ ويتَكلَّفون فيه بغيرِ حقٍّ بالسَّجعِ والحَشْوِ وغيرِه، ويُردِّدونه كثيرًا، "والمتشدِّقون" الَّذين يتَوسَّعون في الكلامِ، ويَلْوون ألسِنتَهم به، ويَفتخِرون به بغيرِ حقٍّ، وقيل: معناه: الَّذين يَستهزِئون بالناسِ بلَيِّ أشْداقِهم، والشِّدقُ هو جانِبُ الفمِ، "والمتفيهِقون"، مِن الفَهْقِ وهو الامتِلاءُ والاتِّساعُ، أي: الَّذين يتَوسَّعون في الكلامِ ويَفتَحون به أفواهَهم وهذا لكِبْرِهم ورُعونتِهم، "قالوا"، أي: الحاضِرون مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "يا رسولَ اللهِ، قد عَلِمْنا" وفَهِمنا مَعنى الثَّرثارينَ وأنَّهم هم الَّذين يُكثِرون الكلامَ ويتَكلَّفون فيه، ومعنى المتشدِّقين وأنَّهم هم الَّذين يتكلَّمون بمِلْءِ أشداقِهم تَفاصُحًا واستعظامًا لكلامِه، "فما" معنى "المتفيهِقون؟ قال" رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "المتكبِّرون" الَّذين يتَكبَّرون على النَّاسِ بكَلامِهم وبالاستِعلاءِ عليهم بفَصاحتِهم في أقوالِهم وبيانِ عَظمتِهم في أفعالِهم.
وفي الحديثِ: بيانُ فضلِ الخُلقِ الحسَنِ.
وفيه: التَّحذيرُ من التَّكلُّفِ في الكلامِ أو تَرديدِه والتَّفاخرِ به؛ لِيَميلَ بقلوبِ النَّاسِ وأسماعِهم إليه.
وفيه: أنَّ الشَّخصَ الواحِدَ قد يَجتمِعُ فيه المحبَّةُ والبُغضُ؛ فيَكونُ مَحبوبًا من وجهٍ، مبغوضًا من وجهٍ آخَرَ.