حدثنا روح، وعفان، قالا: حدثنا حماد، قال: أخبرنا ثابت عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لغدوة في سبيل الله، أو روحة (1) خير من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها " (2)
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُرغِّبُ أصحابَه في الآخِرَةِ، ويُزهِّدُهم في الدُّنيا، ويُبيِّنُ لهم قدْرَها في الآخِرَةِ، ويُرغِّبُهم في الجهادِ في سَبيلِ اللهِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لَغدوةٌ أو رَوحةٌ في سَبيلِ اللهِ"، والغَدْوةُ هي السَّيرُ أوَّلَ النَّهارِ إلى الزَّوالِ، والرَّوحةُ السَّيرُ مِنَ الزَّوالِ إلى آخرِ النَّهارِ، "خيرٌ مما تطلُعُ عليه الشَّمسُ وتَغرُبُ"، يعني: أنَّ المشيَ في سَبيلِ اللهِ في الغزْوِ في وقتِ الصَّباحِ أو وقتِ المساءِ خَيرٌ مِنَ الدُّنيا جميعًا، وثوابُ هذا الزَّمَنِ القليلِ في الجَنَّةِ خيرٌ من زَمَن ِالدُّنيا كُلِّها، "ولقابُ قَوسٍ في الجَنَّةِ خيرٌ مما تطلُعُ عليه الشَّمسُ وتغرُبُ"، أي: قدْرُ طُولِ قَوسِ أحدِكم في الجنَّةِ خيرٌ مِنَ الدُّنيا وما فيها، والمرادُ: أنَّ ما صَغُرَ في الجَنَّةِ من المواضِعِ خيرٌ من الدُّنيا كلِّها من بساتينِها وأرضِها؛ فأخبَرَ في هذا الحديثِ أنَّ قصيرَ الزَّمانِ وصغيرَ المكانِ في الآخِرَةِ خيرٌ من طَويلِ الزَّمانِ وكبيرِ المكانِ في الدُّنيا، تَزهيدًا فيها، وتَصغيرًا لها، وتَرغيبًا في الجِهادِ، وفي عَمَلِ الطاعاتِ للفَوزِ بالجَنَّةِ.