مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1831
مسند احمد
حدثنا عفان، حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يحلق رأسه بمنى، أخذ أبو طلحة شق رأسه، فحلق الحجام، فجاء به إلى أم سليم، فكانت أم سليم تجعله في سكها، (1) وكان يجيء فيقيل عندها على نطع، وكان معراقا، فجاء ذات يوم فجعلت تسلت العرق، وتجعله في قارورة لها، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " ما تجعلين يا أم سليم؟ " قالت: يا نبي الله عرقك أريد أن أدوف به طيبي
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي أنَسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لمَّا أرادَ أنْ يَحلِقَ رَأسَه ليَتحلَّلَ مِن إحْرامِه وهو بمِنًى بعْدَ أنْ قَضى حَجَّتَه، والَّتي تُسَمَّى حَجَّةَ الوَداعِ -ومِنًى: وادٍ قُربَ الحَرَمِ المَكِّيِّ، يَنزِلُه الحُجَّاجُ ليَرْموا فيه الجِمارَ- أمسَكَ أبو طَلْحةَ رَضيَ اللهُ عنه بجانِبٍ مِن رَأسِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والمُرادُ: إمْساكُ شَعرِه حتَّى لا يقَعَ على الأرضِ عندَ قَصِّه، فلمَّا قصَّ الحَجَّامُ -وهو الَّذي يَعمَلُ بالحِجامةِ- شَعرَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أخَذه أبو طَلْحةَ رَضيَ اللهُ عنه ليَحتَفِظَ به، وأعْطاه لزَوْجتِه أُمِّ سُلَيمٍ رَضيَ اللهُ عنه، وهي أُمُّ أنَسِ بنِ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه، فكانت تَجعَلُ شَعرَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ «في سُكِّها»، وهو طِيبٌ مُركَّبٌ مِن عِدَّةِ أنْواعٍ مِن الطِّيبِ.
وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَجيءُ فيَقيلُ عندَها فيَنامُ، والقَيْلولةُ: هي الاسْتِراحةُ نِصفَ النَّهارِ، وإنْ لم يَكُنْ معَها نَومٌ، وكان يَنامُ على نِطعٍ، وهو فِراشٌ مِن جِلدٍ، وقد كانت أُمُّ سُلَيمٍ مِن ذَواتِ مَحارِمِه، وهي أُمُّ خادِمِه أنَسِ بنِ مالكٍ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَثيرَ العرَقِ، فجاءت أُمُّ سُلَيمٍ ذاتَ يومٍ والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نائمٌ، فجعَلَتْ تَأخُذُ عَرَقَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيَدَيْها، وتَجعَلُه في زُجاجةٍ لها، وقد قيلَ: كانت تَأخُذُ ما عَلِقَ بالفِراشِ مِن عرَقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وما تَساقَطَ مِن شَعرِه عليه، فتَجمَعُه في قَارُورةٍ، ثمَّ تَجمَعُه في سُكٍّ.
فاستَيقَظَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهي على هذه الحالةِ، فسَألَها: ماذا تَصنَعينَ يا أُمَّ سُلَيمٍ؟ فقالت: «يا نَبيَّ اللهِ، عرَقُكَ أُريدُ أنْ أَدوفَ به طِيبي»، أي: أخْلِطَه في عِطْري وما أتَطيَّبُ به؛ ليَزيدَ مِن بَرَكةِ الطِّيبِ.