‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1865

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1865

حدثنا بهز، حدثنا حماد، قال: أخبرنا ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه أصحابه ذات ليلة، فخرج فصلى بهم فخفف، ثم دخل بيته فأطال، ثم خرج فصلى بهم فخفف، ثم دخل بيته فأطال، فلما أصبح قالوا: يا رسول الله، صليت فجعلت تطيل إذا دخلت، وتخفف إذا خرجت قال: " من أجلكم فعلت ما فعلت "

كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَحيمًا بأُمَّتِه، ومِن دَلائلِ رَحمتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه كان في بَعضِ الأوقاتِ يَترُكُ بَعضَ الأعمالِ غيرِ المَفروضةِ؛ خَشْيةَ أنْ تُفرَضَ عليهم؛ وذلك لِما امتازَ به أصحابُه رَضيَ اللهُ عنهم مِن حُبِّ الاقتداءِ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والمُسارَعةِ لمُوافَقتِه.
وفي هذا الحَديثِ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خرَجَ ليُصلِّيَ قِيامَ اللَّيلِ في رَمَضانَ في المسجِدِ، وكان شَأنُ الصَّحابةِ رِضوانُ اللهِ عليهم مُتابعتَه، فلمَّا رأَوْه يُصلِّي في المسجدِ صلَّوْا معه، وفي اللَّيلةِ الثانيةِ اجتَمَعوا للصَّلاةِ معه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكَثُروا عن اللَّيلةِ الأُولى، فلمَّا رَأى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منهم هذا الحِرصَ وهذا الاجتِماعَ على قِيامِ اللَّيلِ؛ لم يَخرُجْ إليهم في اللَّيلةِ الثالثةِ أو الرابعةِ، وقال لهم: رَأَيتُ اجتماعَكم للصَّلاةِ، ولم يَمنَعْني مِن الخُروجِ إليكم إلَّا أنِّي خَشِيتُ أنْ تُفرَضَ عليكم. فخَشِيَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إنْ خرَجَ إليهم والْتزَموا معه؛ أنْ تُفرَضَ عليهم، مِن أجْلِ أنَّها فَرْضٌ عليه، فيُسَوَّى بيْنَه وبيْنَهم في الحُكمِ، أو يكونُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خشِيَ مِن مُواظَبَتِهم على صَلاةِ اللَّيلِ معه أنْ يَضعُفوا عنها، فيكونَ مَن تَرَكَها عاصيًا للهِ في مُخالَفتِه لنَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتَرْكِ اتِّباعِه، مُتوعَّدًا بالعِقابِ على ذلك؛ لأنَّ اللهَ تعالَى فَرَضَ اتِّباعَه، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَؤوفًا بالمؤمنينَ، رَحيمًا بهم.
وفي الحديثِ: كَمالُ شَفقتِه ورَحمتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على أُمَّتِه.
وفيه: مَشروعيَّةُ قِيامِ اللَّيلِ في رَمضانَ جَماعةً.