‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه767

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه767

حدثنا مؤمل، حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس، " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم غنما بين جبلين "، فأتى الرجل قومه فقال: أي قومي، أسلموا، فوالله إن محمدا ليعطي عطية رجل ما يخاف الفاقة - أو قال: الفقر -
قال: وحدثناه ثابت قال: قال أنس: " إن كان الرجل ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم يسلم ما يريد إلا أن يصيب (2) عرضا من الدنيا - أو قال: دنيا يصيبها - فما يمسي من يومه ذلك، حتى يكون دينه أحب إليه - أو قال: أكبر عليه - من الدنيا وما فيها " (1)

كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحْسنَ النَّاسِ خُلُقًا، وأَجْوَدَهم وأكَرَمهم، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُؤلِّفُ القلوبَ بالعَطايا لِمَن في إسلامِهِم ضَعفٌ حتَّى يُرغِّبَهم في الإسلامِ.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَجلًا -قيل: إنَّه أحدُ الأعرابِ، ويُقالُ: إنَّه صَفوانُ بنُ أُميَّةَ قبْلَ أنْ يُسلِمَ- سَألَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وطَلَب منه غَنمًا كَثيرةً تَملَأُ ما بيْنَ جَبلَيْن، وإنَّما سَأل الرَّجلُ هذا المالَ طَمعًا، فأَعطاهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَطلوبَه، وإنَّما أعطاهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذا المالَ لِما يَرْجوه مِن الخيرِ لهذا الرَّجلِ ولِمَن وَراءه، وهذا ما وَقَع؛ فإنَّ الرَّجلَ أَتى قَومَه المشْرِكين، مُتعَجِّبًا مِن كَرمِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فطَلَبَ مِنهُم أن يُسلِموا؛ فإِنَّ الإسلامَ يَهدي إِلى مَكارمِ الأَخلاقِ، ثُمَّ حَلَفَ لَهُم باللهِ إنَّ مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعطي عَطاءً عَظيمًا، ما يَخافُ الفَقرَ مَعه، مُرادُه أنَّه سيُعطِيكم ويُكثِرُ مِن العطاءِ، فأصبَحَ الرَّجلُ بتلكَ العطيَّةِ داعيةً إلى الإسلامِ.
ثُمَّ يُبيِّن أَنسٌ رَضيَ اللهُ عنه ويُخبِرُ أنَّ بعضَ النَّاسِ كان يَدخُلُ في الإسلامِ ما يُريدُ إِلَّا الدُّنيا، وطَمَعًا في المالِ، فَما يَلبَثُ بَعدَ إِسلامِه إلَّا يَسيرًا حتَّى يَكونَ الإِسلامُ أَحبَّ إِليهِ، والمُرادُ: أنَّه يُظهِرُ الإسلامَ أَوَّلًا للدُّنيا لا بِقَصدٍ صَحيحٍ بقَلبِه، ثُمَّ لم يَلبثْ إلَّا قَليلًا حتَّى يَنشرِحَ صَدرُه بحَقيقَةِ الإِيمانِ ويَتمكَّنَ مِن قَلبِه فيَكونَ حينئِذٍ أَحبَّ إِليه منَ الدُّنيا.
وفي الحديثِ: أنَّه يَنْبغي أنْ نُؤلِّفَ قُلوبَ غيْرِ المسْلِمين، ونَجذِبَهم إلى الإسلامِ بالمالِ واللِّينِ وحُسنِ الخُلقِ حتَّى يَألَفوا الإسلامَ.