‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه848

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه848

حدثنا يحيى، عن حميد، عن أنس، أن بني سلمة، أرادوا أن يتحولوا من ديارهم إلى قرب المسجد، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يعرى المسجد، فقال: " يا بني سلمة، ألا تحتسبون آثاركم؟ " فأقاموا، قال عبد الله بن أحمد قال أبي: " أخطأ فيه يحيى بن سعيد، وإنما هو: أن تعرى المدينة، (1) فقال يحيى: المسجد. وضرب عليه أبي هاهنا، وقد حدثنا به في كتاب يحيى بن سعيد " (2)

كَثرةُ الخُطَا إلى المساجِدِ مِن أعظمِ أبوابِ الأجرِ والثَّوابِ، وكُلَّما بَعُدَ المسجِدُ، وكانتِ الخُطُواتُ كَثيرةً؛ كان الثَّوابُ أكبَرَ.
وفي هذا الحَديثِ ان أصبَحَ ما حوْلَ المسجِدِ النَّبويِّ -وهو أطرافُهُ أو ما قَرُبَ منه- خاليًا، «فأراد بَنو سَلِمَةَ»، وَهُمْ قومٌ مِنَ الأنصارِ، وكانتْ دِيارُهم بَعيدةً عن مَسجِدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وكانت وراءَ جَبلِ سَلْعٍ غَربيَّ المدينةِ، فأرادوا أنْ يَنتقِلوا ويَسكُنوا إلى قُرْبِ المسجِدِ النَّبويِّ مُجاوِرين بذلك رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فأُخبِرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بذلك، فقال لَهُمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «إنَّه بَلَغني»، أي: وصَلني خبَرُكم «أنَّكم تُريدونَ» وتَرغبونَ «أنْ تَنتقِلوا قُرْبَ المسجِدِ»، فـقالوا: نعمْ، هذه رَغبتُنا يا رسولَ اللهِ، «قد أَرَدْنا ذلك»، فقال لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «يا بَني سَلِمَةَ، دِيارَكم»، أي: الْزَموا دِيارَكم واثْبُتوا فيها، ولا تَنْتَقِلوا عنها، «تُكْتَبْ آثارُكم»، أي: تُكتَبْ لكم خُطاكم إلى المسجِدِ؛ فإنَّ ما تَخْطونَهُ إلى المسجِدِ يُكْتَبُ لكم به أَجْرٌ، ثمَّ كرَّر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قولَهُ مرَّةً أُخرى: «دِيارَكم، تُكْتَبْ آثارُكم» حضًّا وتَرغيبًا لهم على اتِّباعِ أمرِه، والبقاءِ في مَنازلِهم وعدَمِ تَركِها، كما في حَديثِ أنسٍ رَضِي اللهُ عنه عندَ البُخاريِّ: «فَكَرِهَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنْ تُعْرَى المَدِينَةُ»، أي: أنْ تَخْلُوَ أجزاءٌ مِن المدينةِ فأرادَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ببَقائهِم أنْ تَبْقى جِهاتُ المدينةِ عامِرةً بسَاكِنِيها؛ لِيَعظُمَ المسلِمونَ في أعيُنِ المنافقينَ والمشرِكينَ إرهابًا لهم وغِلظةً عليهم، ولم يُصرِّحْ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بذلك لهم، واكْتَفَى بأنْ ذَكَرَ لهم المصلحةَ الواضحةَ الخاصَّةَ بهم؛ لِيكونَ ذلك أدْعَى لهم على المُوافَقةِ، وأبعَثَ على نَشاطِهم إلى البَقاءِ في دِيارِهم.
وفي الحديثِ: فَضيلةُ المشْيِ إلى المساجِدِ.