مسند الزبير بن العوام رضي الله عنه 12
حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني عروة بن الزبير: أن الزبير، كان يحدث: أنه خاصم رجلا من الأنصار، قد شهد بدرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة، كانا يسقيان بها كلاهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للزبير: " اسق ثم أرسل إلى جارك " فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله، أن كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال للزبير: " اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر " فاستوعى النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ للزبير حقه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي، أراد فيه سعة له وللأنصاري، فلما أحفظ الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم، استوعى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم، قال عروة: فقال الزبير: " والله ما أحسب هذه الآية أنزلت إلا في ذلك: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء: 65]
* قَوْلُهُ : "فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ " : - بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ ، آخِرُهُ جِيمٌ - : جَمْعُ شَرْجَةٍ - بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ - ، وَهِيَ مَسَائِلُ الْمَاءِ بِالْحَرَّةِ - بِفَتْحٍ فَتَشْدِيدٍ - ، وَهِيَ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ .
* "اسْقِ " : يَحْتَمِلُ قَطْعَ الْهَمْزَةِ وَوَصْلَهَا .
* "أَنْ كَانَ " : - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ ، أَوْ مُخَفَّفُ "أَنَّ " ، وَاللَّامُ مُقَدَّرَةٌ ; أَيْ : حَكَمْتَ بِهِ لِكَوْنِهِ ابْنَ عَمَّتِكَ ، وَرُوِيَ - بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ - عَلَى أَنَّهُ مُخَفَّفُ "إِنَّ " ، وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ فِي مَوْضِعِ التَّعْلِيلِ .
* "فَتَلَوَّنَ " : أَيْ : تَغَيَّرَ وَظَهَرَ فِيهِ آثَارُ الْغَضَبِ .
* "إِلَى الْجَدْرِ " : - بِفَتْحِ جِيمٍ وَكَسْرِهَا وَسُكُونِ دَالٍ مُهْمَلَةٍ - ، وَهُوَ الْجِدَارُ ، قِيلَ : الْمُرَادُ بِهِ : مَا رُفِعَ حَوْلَ الْمَزْرَعَةِ كَالْجِدَارِ ، وَقِيلَ : أُصُولُ الشَّجَرِ .
* "فَاسْتَوْعَى " : أَيِ : اسْتَوْعَبَ ; أَيْ : أَمَرَهُ أَوَّلًا بِالْمُسَامَحَةِ ، فَلَمَّا جَهِلَ الْأَنْصَارِيُّ مَوْضِعَ حَقِّهِ ، أَمَرَهُ بِأَنْ يَأْخُذَ تَمَامَ حَقِّهِ وَيَسْتَوْفِيَهُ ، فَإِنَّهُ لِمِثْلِهِ أَصْلَحُ ، وَفِي الزَّجْرِ أَبْلَغُ .
* "أَحْفَظَ " : أَيْ : أَغْضَبَ ، وَقَوْلُ الْأَنْصَارِيِّ زَلَّةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ بِالْغَضَبِ ، وَإِلَّا فَهُوَ أَنْصَارِيٌّ بَدْرِيٌّ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مُنَافِقٌ بَعِيدٌ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .