مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 125
مسند احمد
حدثنا هشيم، أخبرنا سيار، عن أبي هبيرة، عن جابر بن عبد الله، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فاشترى مني بعيرا، فجعل لي ظهره حتى أقدم المدينة، فلما قدمت أتيته بالبعير، فدفعته إليه، وأمر لي بالثمن، ثم انصرفت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لحقني، قال: قلت: لعله قد بدا له، قال: فلما أتيته، دفع إلي البعير، وقال: «هو لك» ، فمررت برجل من اليهود، فأخبرته، قال: فجعل يعجب، قال: فقال: اشترى منك البعير، ودفع إليك الثمن، ووهبه لك؟ قال: قلت: «نعم»
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أرحَمَ النَّاسِ بأصحابِه؛ فكان يَتَفقَّدُ أحوالَهم، ويُعينُهم على أُمورِ دِينِهم ودُنياهم
وهذا المتْنُ له قِصَّةٌ؛ وذلك أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اشتَرى مِن جابرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما أثناءَ الرُّجوعِ مِن غَزوةِ الفتْحِ جَمَلًا على أنْ يُعطِيَه ثَمنَه عندَ الرُّجوعِ إلى المدينةِ، وقيل: إنَّه اشْتَراهُ منه في طَرِيقِ العودةِ مِن تَبُوكَ، وقيل: كان ذلك مِن رُجوعِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن غَزوةِ ذاتِ الرِّقاعِ.فلمَّا قدِمَ جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه المدينةَ ذهَبَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مَسجدِه ليُسلِّمَ عليه وكان ذلك في وَقتِ الضُّحَى، فأحسَنَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ استِقبالَه، وأمَرَه بأنْ يُصلِّيَ تَحيَّةَ المسجِدِ؛ بصَلاةِ رَكعتينِ، ثمَّ قَضاهُ دَينَه، وهو ثمَنُ البَعيرِ الذي اشتراهُ منه بالدَّينِ وزادَهُ عن حقِّه، وعندَ ابنِ ماجه قال جابرٌ رَضيَ اللهُ عنه: «فما زالَ يَزيدني دِينارًا دِينارًا، ويقولُ مكانَ كلِّ دِينارٍ: واللهُ يَغفِرُ لك، حتى بَلَغَ عِشرينَ دِينارًا، فلمَّا أتَيتُ المدينةَ أخذْتُ برَأسِ الناضحِ، فأتَيْتُ به النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: يا بِلالُ، أعْطِه مِن الغَنيمةِ عِشرينَ دِينارًا، وقال: انطلِقْ بناضِحِك فاذهَبْ به إلى أهْلِك»، والناضحُ: الجَمَلُ، وهذا إكرامٌ لجابرٍ؛ لأنَّ أباهُ عبدَ اللهِ بنَ حَرامٍ رَضيَ اللهُ عنه مات في غَزوةِ أُحدٍ وترَكَ له أخواتٍ بَناتٍ، فأراد النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُعطِيَه مالًا لِيُعينَه عليهنَّ، فاشتَرى منه الجَمَلَ ليَرفَعَ عنه الحرَجَ، وليكونَ سَببًا في إعطائِه وبِرِّه دونَ خَجَلٍ، كما بيَّنَتِ الرِّواياتُ الأُخرى للحديثِ، وقد اختَلَفَت الرِّواياتُ في الثَّمنِ والزِّيادةِ التي أعْطاها له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أيضًا
وفي الحديثِ: أنَّ مِن حُسنِ القَضاءِ أنْ يَرُدَّ الدَّينَ بأجْودَ أو أكثَرَ منه، فيَزيدَ الدَّائنَ عمَّا أخَذَه منه، وهو مِن بابِ المُروءةِ
وفيه: بَيانُ بِرِّ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأصحابِه وعَطائِه
وفيه: أنَّ مَن دخَلَ المسجدَ فعليه صَلاةُ رَكعتينٍ تَحيَّةً له