مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 127
مسند احمد
حدثنا هشيم، أخبرنا داود، عن أبي الزبير، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العمرى جائزة لأهلها، والرقبى جائزة لأهلها»
لقدْ حَثَّ الإسلامُ على التَّكافُلِ، وللتَّكافُلِ صُوَرٌ كثيرةٌ؛ كالزَّكاةِ، والصَّدقةِ، والهِبَاتِ، ومِن أنواعِ الهِبَاتِ: الرُّقْبَى، والعُمْرَى، وهما نوعانِ خاصَّانِ مِن الهِبَاتِ
وفي هذا الحديثِ يقولُ عَطاءُ بنُ أبي رباحٍ- وهو مِن أئمَّةِ التَّابعينَ وفُقهائِهم-: "نَهَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عن العُمْرَى"، وهي أن يهَبَ الإنسانُ غيرَه شيئًا مدَّةَ عُمُرِه، فإذا مات عادَتْ للواهبِ؛ كأن يقولَ: أعمَرْتُكَ هذه الدَّارَ مدَّةَ عُمُرِك، أو مدَّةَ عُمُري، "والرُّقْبَى" نوعٌ مِن الهِبَةِ، لكنَّه مؤقَّتٌ بوقتٍ، كأن يقولَ: أرقَبْتُكَ داري مدَّةَ حياتِكَ، فإن مِتَّ قبْلَي رَجَعَتْ إليَّ، وإن مِتُّ قبْلَكَ فهي لكَ ولعَقِبِكَ
قال عبدُ الكريمِ بنُ مالكٍ الجَزَرِيُّ راوي هذا الحديثِ لعطاءِ بنِ أبي رَباحٍ: "وما الرُّقْبَى؟ "، أي: وما معنى الرُّقْبَى؟ فقال عطاءُ بنُ أبي رَباحٍ: "يقولُ الرَّجُلُ للرَّجُلِ: هي"، أي: هذه الدَّارُ، "لكَ حياتَكَ"، أي: مدَّةَ حياتِكَ، فإن مِتَّ رَجَعَتْ إليَّ، "فإن فعَلْتُم"، أي: العُمْرَى والرُّقْبَى، فهي "جائزةٌ"، أي: صحيحةٌ إن بقِيَتْ عند الموهوبِ حياتَه وموتَه، لا أنْ ترجِعَ للواهبِ بعد موتِ الموهوبِ، فتكونُ العُمْرَى والرُّقْبَى لِمَن وُهِبَتْ له حياتَه، ولورَثَتِه مِن بعدِه، ولا ترجِعُ للواهبِ؛ وذلكَ لِمَا ثبَت في صَحيحِ مُسلِمٍ عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِي اللهُ عَنهما، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: "أيُّما رجُلٍ أُعْمِرَ عُمْرَى له ولعَقِبِه، فإنَّها للَّذي أُعْطِيَها، لا ترجِعُ إلى الَّذي أعطاها؛ لأنَّه أعطَى عطاءً وقَعَتْ فيه المواريثُ"