مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 210
مسند احمد
حدثنا حسن، حدثنا زهير، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا طيرة، ولا عدوى، ولا غول»
لَمَّا جاءَ الإسلامُ هدَمَ مُعتقَداتِ الجاهِليَّةِ وبَنى للمُسلمِ العَقيدةَ الصَّحيحةَ المبنِيَّةَ على صِحَّةِ التوحيدِ وقوةِ اليَقينِ والابتِعادِ عنِ الأوْهامِ والخَيالاتِ التي تعبَثُ بالعقولِ
وفي هذا الحَديثِ يقولُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "لا عَدْوى"، وهيَ انتِقالُ المرضِ من المريضِ إلى غَيرِه. والمعنى: أنَّها لا تُؤثِّر بطبعِها، وإنَّما يَحدُثُ هذا بقَدَرِ اللهِ وتقديرِه، والمقصودُ بالعَدْوَى: مُجاوزَةُ العِلَّةِ مِن صاحبِها إلى غيرِه
"ولا طِيَرةَ"، وهي التَّشاؤُمُ، وكانَ أهلُ الجاهِليَّةِ إذا خرجوا لحاجةٍ لهم من سفرٍ أو تجارةٍ فإذا شَاهدوا الطَّيرَ يطيرُ عن يَمينِهم استَبشروا به، وإذا طارَ عن يَسارِهم تَشاءَموا بهِ ورَجعوا
"ولا صَفَرَ"، والمرادُ بصَفَر يَحتَمِل أمرَيْن؛
الأوَّلُ: تأخيرُهم شَهْرَ المحرَّمِ وتَحريمَه إلى شَهرِ صَفَرٍ؛ فيكون هو الشَّهْرَ الحرامَ، وهو النَّسِيءُ الَّذِي كانوا يفعلونه، فثبَّتَ الإسلامُ الأشهُرَ الحرُمَ على حقيقتِها، ومنعَ النَّسيءَ
والثاني: أنَّ الصَّفَرَ دَوَابُّ في البَطْنِ، وهى دُودٌ، وكانوا يَعتقِدون أنَّ في البَطْنِ دابَّةً تَهِيجُ عندَ الجُوعِ، ورُبَّما قَتَلَتْ صاحِبَها، وكانت العَرَبُ تراها أَعْدَى مِن الجَرَبِ
"ولا هامَةَ"، وهي اسمٌ لطائرٍ يَطيرُ بالليلِ كانوا يَتشاءمونَ بهِ. وكانوا يَعتقِدونَ أنَّ رُوحَ القَتيلِ إذا لم يُؤخذْ بثأرِهِ صارتْ طائرًا يقولُ: "اسْقوني اسْقوني"، حتى يُثأرَ له فيَطيرَ
"ولا غُولَ"، وكانتِ العَرَبُ تَزعُم أنَّ الغِيلانَ في الفَلَوَاتِ، وهي جِنْسٌ مِن الشياطين، فتَتَراءَى للناسِ وتتغوَّل تغوُّلًا، أي تتلوَّن تلوُّنًا، فتُضِلُّهم عن الطريقِ، فتُهلِكُهم، فأَبْطَلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذاك. وليس المُرادُ بالحديثِ نَفْيَ وجودِ الغُولِ، وإنَّما معناه إبطالُ ما تَزعُمه العَرَبُ مِن تلوُّنِ الغُولِ بالصُّوَرِ المختلِفَةِ واغتِيالِها، قالوا: ومعنى "لا غُولَ" أى: لا تَستطيعُ أنْ تُضِلَّ أحدًا
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن التَّشاؤُمِ والتطيُّرِ
وفيه: النَّهيُ عن المُعتقداتِ الجاهِليَّةِ
وفيه: نَفيُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما كانتِ الجاهليَّةُ تَزعُمه وتَعتقِدُه مِن أنَّ المَرَضَ والعَاهَةَ تُعدِي بِطَبْعِها لا بِفِعْلِ الله تعالى
وفيه: أنَّ الأسبابَ بيدِ اللهِ وهوَ الذي يُجْريها أو يَسلُبُها تأثيرَها، فيَنبغي الإيمانُ باللهِ وقدرتِه