مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 396
مسند احمد
حدثنا يحيى بن حماد، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سليمان بن قيس، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المدينة يتركها أهلها وهي مرطبة» ، قالوا: فمن يأكلها يا رسول الله؟ قال: «السباع، والعائف» ، قال أبو عوانة: فحدثت أن أبا بشر، قال: كان في كتاب سليمان بن قيس
المَدينةُ النَّبويَّةُ مِن أفضَلِ بِقاعِ الأرضِ، وقدْ أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن بَعضِ أحوالِها في آخِرِ الزَّمانِ
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لَيَتْرُكَنَّها أهْلُها مُرْطِبةً"، أي: فيها الخَيرُ والثَّمَرُ والتَّمرُ الذي طاب، "قالوا: فمَن يَأكُلُها يا رسولَ اللهِ؟ قال: عافِيَةُ الطَّيرِ والسِّباعِ" وهي الطُّيورُ والحيواناتُ المُتوحِّشةُ التي تَسكُنُ المكانَ عِندَ خَرابِهِ وعَدَمِ وُجودِ أُناسٍ فيه، والظَّاهرُ -واللهُ أعلَمُ- أنَّ ذلك في آخِرِ الزَّمانِ عندَ خَرابِ المدينةِ، ويكونُ ذلك مِن إخبارِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالغَيبِ وما سيَحْدُثُ في المُستقبَلِ. وقد فسَّرَ بَعضُ العُلماءِ هذا الحديثَ وغَيرَه بما وقَعَ لِأهْلِ المدينةِ في خِلافةِ يَزيدَ بنِ مُعاويةَ؛ حيثُ وجَّهَ يَزيدُ بنُ مُعاويةَ مُسلِمَ بنَ عُقْبةَ -والذي يُسمِّيه أهْلُ الحِجازِ مُسرِفَ بنَ عُقْبةَ- في جَيشٍ عَظيمٍ مِن أهلِ الشَّامِ، فنَزَل بالمدينةِ، وقاتَلَ أهْلَها حتى هَزَمَهم وقتَلَهُم بحَرَّةِ المدينةِ قتْلًا ذَريعًا، واستباحَ المدينةَ ثلاثةَ أيَّامٍ، فسُمِّيَت وَقعةَ الحَرَّةِ، وقد ذكَرَ أهلُ الأخبارِ أنَّها خلَتْ مِن أهْلِها، وبَقِيَت ثِمارُها للطَّيرِ والسِّباعِ، كما أخبَرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثم رجَعَ الناسُ إليها، وفي حالِ خَلائِها عَدَتِ الكِلابُ على سَواري المسجِدِ
ولكنْ ورَدَ مِن حديثِ أبي هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنه عِندَ ابنِ أبي شَيبةَ "ثمَّ يَخرُجون منها، فلا يَعُودون إليها أبدًا"، ويُمكِنُ الجمْعُ بيْن الحديثَينِ: بأنَّ خَرابَ المدينةِ يَحدُثُ مَرَّتينِ؛ المَرَّةُ الأُولى وقَعَتْ في خِلافةِ يَزيدَ، والثَّانيةُ سَتَكونُ في آخِرِ الزَّمانِ، كما يُسْتفادُ مِن حَديثِ أبي هُرَيرةَ، ولكنْ إذا تَرَكَ الناسُ المدينةَ في آخِرِ الزَّمانِ، مع ما فيها مِن الآثارِ النَّبويَّةِ والهِدايةِ الرَّبَّانيَّةِ؛ فغَيرُهم يكونُ أشدَّ انْفِلاتًا وخُروجًا عن الدِّينِ