مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 606
مستند احمد
حدثنا حسين بن محمد، حدثنا أبو أويس، حدثنا شرحبيل، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن ثمن الكلب، وقال: «طعمة جاهلية»
أحلَّ اللهُ لعِبادِهِ الطَّيِّباتِ، وحرَّمَ عليهِمُ الخَبائِثَ مِن كُلِّ شَيءٍ وفي كُلِّ شَيءٍ؛ مِن المَطْعَمِ والمَشْرَبِ، والمَكْسَبِ والتِّجارَةِ، وغيرِ ذلك، كما حَثَّ الشَّرْعُ المُسلِمَ على أنْ يكونَ كَريمَ النَّفْسِ، مُتَرفِّعًا عَنِ الدَّنايا
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "ثلاثةٌ كلُّهن سُحتٌ" والسُّحتُ: هو كلُّ مالٍ حرامٍ لا يَحِلُّ كسْبُه ولا أكْلُه، "كسْبُ الحجَّامِ"، والحَجَّامُ: هو مَنْ يقومُ بالحِجامةِ، وهي فَصْدُ العُروقِ وإخراجُ الدَّمِ الفاسِدِ مِنَ الجِسمِ، إلَّا أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدِ احْتَجَمَ وأعْطى الحجَّامَ أَجرَهُ، كما في الصَّحيحينِ، ولو كان ذلك حَرامًا لَمَا أعْطاهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإنَّما هو مِنَ المكاسِبِ الدَّنيئَةِ الَّتي يَترفَّعُ عنها المُؤمِنُ؛ لِوُجودِ ما هو أفْضَلُ منها. وقيل: يَحتمِلُ أنْ يكونَ النَّهيُ عن ثمَنِ الكلْبِ وكَسْبِ الحَجَّامِ كان في بَدءِ الإسلامِ، ثمَّ نُسِخَ ذلك؛ فلَمَّا أَعْطى الحَجَّامَ أجْرَه، كان ناسخًا لِمَا تقدَّمَه. "ومَهْرُ البَغِيِّ"، أي: ما تأْخُذُه الزَّانيةُ مِن مالٍ مُقابِلَ زِناها، فهو مُحَرَّمٌ؛ لأنَّ الزِّنا حرامٌ، وما أُخِذَ عليه مِن مالٍ فهو حَرامٌ، "وثمَنُ الكلْبِ"، والمُرادُ: ثَمَنُ بَيْعِه أو شِرائِه، وما تمَّ كَسْبُهُ مِن ذلك فهو مالٌ غيرُ طَيِّبٍ؛ لأنَّ الكلْبَ مَنْهِيٌّ عَنِ اقتنائِهِ وتَربيتِهِ، "إلَّا الكلْبَ الضَّارِيَ"، وهو المُعتادُ للصَّيدِ؛ فكأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهَى عن ثمَنِ الكلْبِ إلَّا الكَلْبَ الَّذي أُذِنَ في اتِّخاذِه للانتِفاعِ به. وهذا الحُكمُ بحُرمةِ ثَمنِ الكَلبِ؛ قيل: إنَّه يُستثنَى مِن ذلك كَلبُ الحِراسةِ والصَّيدِ؛ لأنَّه ذو مَنفَعةٍ كما هنا في هذه الرِّوايةِ "إلَّا الكَلْبَ الضارِي"، وفي روايةِ التِّرمذيِّ: "إلَّا كَلْبَ الصَّيدِ". وقيل: إنَّه مُطلَقٌ وعامٌّ؛ فيَشمَلُ أخْذَ ثمَنِ أيِّ كَلبٍ سَواءٌ كان ممَّا يَجوزُ اقتِناؤُه، أو ممَّا لا يَجوزُ اقتناؤُه