مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 949
مسند احمد
حدثنا سريج يعني ابن النعمان، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل أهله الإدام، قالوا: ما عندنا إلا الخل، قال: فدعا به، فجعل يأكل ويقول: «نعم الإدام الخل، نعم الإدام الخل»
الأمانُ عَهدٌ يُعطيه أحَدُ المُسلِمينَ لشَخصٍ كافِرٍ، ويَأمَنُ هذا الشَّخصُ بموجِبِ هذا الأمانِ على نَفسِه ومالِه
وفي هذا الحَديثِ تُخبرُ أمُّ هانِئٍ بنتُ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنها، وهيَ بنتُ عَمِّ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دَخَل عليها يَومَ الفتحِ في السَّنةِ الثَّامِنةِ للهجرةِ، وكان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جائِعًا. فقالت له أمُّ هانِئٍ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ أصهارًا لي، الصِّهرُ: هو ما كان مِن خُلطةٍ تُشبِهُ القَرابةَ يُحدِثُها التَّزويجُ، أي: هناكَ رِجالٌ ليسوا مِن أقرِبائي، وإنَّما هم مِن جِهةِ التَّصاهرِ، قد لجَئوا إليَّ، أي: طَلبوا أن أُجيرَهم وأمنَحَهمُ الأمانَ، وإنَّ عليَّ بنَ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه لا تَأخُذُه في اللهِ لومةُ لائِمٍ، أي: لا يَمنَعُه مِن جِهادِ القَريبِ والبَعيدِ عِتابُ أحَدٍ أو لومُه، وإنِّي أخافُ أن يَعلمَ بهم فيَقتُلَهم، أي: أخافُ إن عَلِم عليٌّ بوُجودِ هؤلاء القَومِ عِندي أن يَقتُلَهم ولا يُباليَ، فاجعَلْ مَن دَخَل دارَ أمِّ هانِئٍ آمِنًا حتَّى يَسمَعوا كَلامَ اللَّهِ، أي: فأُريدُ مِنك يا رَسولَ اللهِ أن تَجعَلَ مَن يَدخُلُ داري آمِنًا، حتَّى إذا سَمِعَ النَّاسُ ذلك -ومِنهم عليٌّ- امتَنَعوا مِن قَتلِ مَن يَدخُلُ داري، وأُريدُ أيضًا مَن دَخَل داري أن يَسمَعَ كَلامَ اللَّهِ، كما قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ} [التوبة: 6]، فأمَّنَهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: أمَّنَ أصهارَ أمِّ هانِئٍ، وقال لها: قد أجَرنا مَن أجارت أمُّ هانِئٍ، أي: أنَّنا قد مَنَحنا الأمانَ لكُلِّ مَنِ التَجَأ إليك وكان في جِوارِك. ثُمَّ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأُمِّ هانِئٍ: هَل عِندَك مِن طَعامٍ نَأكُلُه؟ أي: هَل يوجَدُ عِندَك شَيءٌ مِنَ الطَّعامِ؛ فقد كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جائِعًا. فقالت أمُّ هانِئٍ: ليسَ عِندي إلَّا كِسَرٌ يابسةٌ، أي: قِطَعٌ مِنَ الخُبزِ اليابِسِ، وإنِّي لأستَحي أن أُقدِّمَها إليك؛ لكَونِها كِسَرُ خُبزٍ يابسةٌ! فقال لها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هَلُمِّي بهنَّ، أي: هاتي هذه الكِسَرَ، فجاءت بهنَّ فكَسَّرَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قِطَعَ الخُبزِ اليابسِ في ماءٍ، ثُمَّ جاءَت أمُّ هانِئٍ بمِلحٍ فصَبَّه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الماءِ، ثُمَّ قال لها: هَل مِن إدامٍ؟ أي: هَل يوجَدُ عِندَكُم شَيءٌ مِنَ الأُدمِ، وهو ما يُؤتَدَمُ به، أي: يُؤكَلُ به الخُبز مِمَّا يَطيبُ، سَواء كان مِمَّا يُصطَبغُ به مِنَ الأمراقِ والمائِعاتِ، أو مِمَّا لا يُصطَبغُ به كالجامِداتِ مِنَ الجُبنِ والبَيضِ والزَّيتونِ وغَيرِ ذلك؟ فقالت أمُّ هانِئٍ: ما عِندي يا رَسولَ اللهِ إلَّا شَيءٌ مِن خَلٍّ، أي: لا يوجَدُ عِندَنا مِنَ الإدامِ إلَّا قَليلٌ مِنَ الخَلِّ. فقال لها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هَلُمِّيه، أي: هاتي به، فصُبِّيه على الطَّعامِ، أي: على الكِسَرِ اليابِسةِ، فأكَل مِنه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ قال: نِعمَ الإدامُ الخَلُّ يا أمَّ هانِئٍ! أي: خَيرُ الإدامِ يَكونُ في الطَّعامِ هو الخَلُّ، لا يُقفِرُ بَيتٌ فيه خَلٌّ، أي: ما خَلا مِنَ الإدامِ ولا عَدِمَ أهلُه الأُدْمُ، والقَفَارُ: الطَّعامُ بلا أُدْمٍ، وأقفرَ الرَّجُلُ: إذا أكَل الخُبزَ وحدَه، مِنَ القَفرِ، وهيَ الأرضُ الخاليةُ التي لا ماءَ بها، ومَعنى الحَديثِ: ائتَدِموا بالخَلِّ وما في مَعناه مِمَّا تَخِفُّ مُؤنَتُه ولا يَعِزُّ وُجودُه، واترُكوا احتِقارَ المَأكولِ، وأنَّ الخَلَّ مِن أحسَنِ الإدامِ، والبَيتُ الذي فيه خَلٌّ لا يُقالُ: إنَّه ليسَ فيه إدامٌ
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ أمانِ المَرأةِ للكافِرِ
وفيه قَبولُ الإمامِ طَلَبَ المَرأةِ إذا أرادَت أن تُؤَمِّنَ شَخصًا
وفيه حُسنُ تَعامُلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَعَ أُمِّ هانِئٍ رَضِيَ اللهُ عنها
وفيه ما كان عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ التَّواضُعِ
وفيه فضيلةُ التَّأدُّمِ بالخَلِّ، وأنَّه يُسَمَّى أُدمًا، وأنَّه أُدمٌ فاضِلٌ جَيِّدٌ