‌‌مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم 204

‌‌مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم 204

حدثنا يزيد، أخبرنا عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال لما نزلت: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا} [النور: 4] قال سعد بن عبادة، وهو سيد الأنصار: أهكذا أنزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا معشر الأنصار ألا تسمعون إلى ما يقول سيدكم؟ " قالوا: يا رسول الله، لا تلمه، فإنه رجل غيور، والله ما تزوج امرأة قط إلا بكرا، وما طلق امرأة له قط، فاجترأ رجل منا على أن يتزوجها من شدة غيرته، فقال سعد: والله يا رسول الله، إني لأعلم أنها حق، وأنها من الله ولكني قد تعجبت أني لو وجدت لكاعا قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه، حتى آتي بأربعة شهداء، فوالله لا آتي بهم حتى يقضي حاجته، قال: فما لبثوا إلا يسيرا، حتى جاء هلال بن أمية، وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، فجاء من أرضه عشاء، فوجد عند أهله رجلا، فرأى بعينيه، وسمع بأذنيه، فلم يهجه، حتى أصبح، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني جئت أهلي عشاء، فوجدت عندها رجلا، فرأيت بعيني، وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به، واشتد عليه، واجتمعت الأنصار، فقالوا: قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة، الآن يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية، ويبطل شهادته في المسلمين، فقال هلال: والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجا، فقال هلال: يا رسول الله، إني قد أرى ما اشتد عليك مما جئت به، والله يعلم إني لصادق، فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه إذ نزل (1) على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، وكان إذا نزل عليه الوحي عرفوا ذلك في تربد جلده يعني، فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي، فنزلت: {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم} [النور: 6]

الآية كلها، فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " أبشر يا هلال، فقد جعل الله لك فرجا ومخرجا " فقال هلال: قد كنت أرجو ذاك من ربي عز وجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أرسلوا إليها " فأرسلوا إليها، فجاءت، فتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما، وذكرهما، وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا، فقال هلال: والله يا رسول الله، لقد صدقت عليها، فقالت: كذب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لاعنوا بينهما "، فقيل لهلال: اشهد، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، فلما كان في الخامسة، قيل: يا هلال، اتق الله، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب فقال: لا والله لا يعذبني الله عليها، كما لم يجلدني عليها، فشهد في الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم قيل لها: اشهدي أربع شهادات بالله: إنه لمن الكاذبين فلما كانت الخامسة قيل لها: اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب، فتلكأت ساعة، ثم قالت: والله لا أفضح قومي، فشهدت في الخامسة: أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وقضى أن لا يدعى ولدها لأب، ولا ترمى هي به ولا يرمى ولدها، ومن رماها أو رمى ولدها، فعليه الحد، وقضى أن لا بيت لها عليه، ولا قوت من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق، ولا متوفى عنها، وقال: " إن جاءت به أصيهب، أريسح، حمش الساقين، فهو لهلال، وإن جاءت به أورق جعدا، جماليا، خدلج الساقين، سابغ الأليتين، فهو للذي رميت به " فجاءت به أورق، جعدا، جماليا، خدلج الساقين، سابغ الأليتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لولا الأيمان، لكان لي ولها شأن " قال عكرمة: " فكان بعد ذلك أميرا على مصر، وكان يدعى لأمه وما يدعى لأب "

بين الشرع أحكام الزواج بين الرجل والمرأة، كما أوضح أحكام رمي الزوج زوجته بالزنا ولا توجد البينة، وما يترتب على ذلك من الملاعنة وغيرها من أحكام الفرقة، لحفظ الأنساب، ودفع المعرة عن الأزواج، ودرء حد القذف، ولدفع التشاحن وحقن الدماء بين الناس
وفي هذا الحديث يخبر أبو هريرة رضي الله عنه أن سعد بن عبادة الأنصاري رضي الله عنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لما نزل قول الله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} [النور: 4]، كما في مسند أحمد من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وقال: «يا رسول الله، أرأيت»، أي: أخبرني وأعلمني ما حكم؟ «الرجل يجد مع امرأته رجلا؛ أيقتله؟»، أي: فيقتل القاتل قصاصا، أم يذهب حتى يأتي بأربعة شهود فيهرب ويكون قد قضى حاجته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا»، أي: لا يقتل، بل يؤتى بالشهود، ويقام عليه الحد؛ لأنه لو لم يحدث ذلك، لتجرأ السكران والغضبان والغيران على القتل، ثم ادعى أن امرأته كانت تفعل الفاحشة، فتعم الفوضى، فقال سعد: «بلى» وأقسم للنبي صلى الله عليه وسلم بالإله الذي أكرمه وشرفه بأن بعثه بالحق والشريعة إن من يرى ذلك في أهله يستولي عليه الغضب والغيرة، فيقوم بضربه بالسيف، وهذا ليس معارضة لكلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما قاله غيرة، وطمعا في الرخصة بقتل الزاني وهو في حالة تلبس بالمعصية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم متعجبا: «اسمعوا إلى ما يقول سيدكم!»، والسيد: رئيس القوم، ومقدمهم، وكان سعد سيد الخزرج من الأنصار، والمراد: انظروا إلى غيرته! وفي تمام الرواية عند مسلم: «إنه لغيور، وأنا أغير منه، والله أغير مني»، أي: عظم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سعد شعوره بالغيرة، وبين أنها من شيم كرام الناس وساداتهم، وقد جاء في الصحيحين تفسير غيرة الله عز وجل، وفيه: «وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله».
وعلى الرغم من كبر هذا الأمر -أن يرى الرجل مع أهله رجلا غريبا- وعظمه، فالمسلم ملزم بأوامر الله عز وجل ونواهيه، وإن خالفت رأيه وهواه، ولو ترك الأمر لمثل ما قال سعد لكانت المفسدة أعظم، ولفتح ذلك بابا للفرية وغيرها من المفاسد
وفي الحديث: أن الغيرة والنخوة ينبغي ألا تحول بين العبد وبين تنفيذ أوامر الله وإقامة حدوده
وفيه: ضرورة الإتيان بالشهود على الزنا