مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم 39
حدثنا عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله (2) ، عن عبد الله بن عباس، وعن عائشة، أنهما قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يلقي خميصة على وجهه، فلما اغتم رفعناها عنه، وهو يقول: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " تقول عائشة: يحذرهم (3) مثل الذي صنعوا؟
بَنى الإسلامُ مُجتمعَ التَّوحيدِ الخالِصِ للهِ عزَّ وجلَّ، وقضَى على كلِّ مَظاهِرِ الشِّركِ به، وأغلَقَ كُلَّ بابٍ قدْ يَعبُرُ مِن خِلالِه الشِّركُ مِن جَديدٍ.
وفي هذا الحديثِ تُخبِرُ أمُّ المؤمنينَ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها، والصَّحابيُّ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما، أنَّه لمَّا اشْتَدَّ بِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَرَضُ ونَزَلَ به المَوتُ، جَعَلَ يَضَعُ «خَميصةً» -وهي: كِساءٌ مُخَطَّطٌ- عَلى وجْهِه، «فَإذا اغتَمَّ كَشَفَها»، أي: فإذا ضاقَتْ أنْفاسُه بسَبَبِ اشْتِدادِ الحَرارةِ كَشَفَ الخَميصةَ، فأَخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو على هذه الحالِ الحاضِرينَ عِندَه مِن الصَّحابةِ عن حُلولِ اللَّعْنةِ باليَهودِ والنَّصارى وطَردِهِم مِن رَحْمةِ اللهِ؛ بِسَببِ أنهم اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيائهِم مَساجِدَ، فإمَّا أنَّهم كانوا يَسجُدونَ لقُبورِ أنبيائِهم؛ تَعظيمًا لهم، وذلك هو الشِّركُ الجَلِيُّ، وإمَّا أنَّهم كانوا يتَّخِذونَها أمكِنةً للسُّجودِ يُصَلُّون ويَعبُدون اللهَ تعالَى فيها؛ لاعتقادِهم أنَّ الصَّلاةَ إلى قُبورِهم أفضَلُ وأعظَمُ مَوقِعًا عندَ اللِه، وذلك هو الشِّركُ الخَفيُّ؛ لتَضَمُّنِه ما يَرجِعُ إلى تَعظيمِ مَخلوقٍ فيما لم يُؤذَنْ له، فنهَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُمَّتَه عن مُشابَهةِ ذلك الفِعلِ؛ لأنَّه مِن فِعلِ اليهودِ والنَّصارى، ولأنَّه ذَريعةٌ مُوصِلةٌ للشِّركِ باللهِ عزَّ وجلَّ، فيَحرُمُ تَعظيمُ القُبورِ وتَقديسُها.
وفي الحَديثِ: النَّهْيُ عن بِناءِ المَساجِدِ عَلى القُبورِ.
وَفيه: النَّهْيُ عن التَّشَبُّهِ باليَهودِ والنَّصارَى.